باب وجوب الزكاة 2
سنن النسائي
أخبرنا محمد بن عبد الأعلى، قال: حدثنا معتمر، قال: سمعت بهز بن حكيم، يحدث عن أبيه، عن جده، قال: قلت: يا نبي الله، ما أتيتك حتى حلفت أكثر من عددهن لأصابع يديه أن لا آتيك ولا آتي دينك، وإني كنت امرأ لا أعقل شيئا إلا ما علمني الله عز وجل ورسوله، وإني أسألك بوحي الله، بما بعثك ربك إلينا؟ قال: «بالإسلام»، قلت: وما آيات الإسلام؟ قال: «أن تقول أسلمت وجهي إلى الله، وتخليت، وتقيم الصلاة، وتؤتي الزكاة»
كان الصَّحابةُ رَضِي اللهُ عَنهم يَأتون رَسولَ اللهِ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم لِيَتعلَّموا منه أُمورَ دِينِهم ودُنياهم
وفي هذا الحَديثِ يَقولُ مُعاويَةُ بنُ حَيْدَةَ القُشيريُّ رَضِي اللهُ عنه: "قلتُ: يا نَبيَّ اللهِ، ما أَتيتُك حتَّى حلَفتُ أكثَرَ مِن عدَدهنَّ- لأصابِعِ يدَيه- ألَّا آتِيَك ولا آتِيَ دِينَك"، وفي هذا كِنايةٌ عن أنَّه كان يَرفُضُ ويَكرَهُ الدُّخولَ في الإسلامِ، ثمَّ هَداه اللهُ عزَّ وجلَّ له، "وإنِّي كُنتُ امرَأً لا أَعقِلُ شيئًا"، أي: ليس عِندَه مِن عِلْمٍ، "إلَّا ما علَّمَني اللهُ ورسولُه"، أي: يَذكُرُ مِن فَضْلِ اللهِ عليه بما تَعلَّمَه مِن عِلمٍ مِن رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم في أمورِ دِينِه، "وإنِّي أسألُك بوَجهِ اللهِ عزَّ وجلَّ: بما بعَثَك ربُّنا إلَينا؟"، أي: ما الدِّينُ الَّذي أَرسلَك اللهُ به؟ فقال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم: "بالإسلامِ"، قال مُعاوِيةُ: "وما آياتُ الإسلامِ؟"، أي: كيف يتَحقَّقُ إسلامُ المرءِ؟ فقال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم: "أنْ تقولَ: أَسلَمتُ وَجهي إلى اللهِ عزَّ وجلَّ"، أي: جَعَلتُ جميعَ أجزائي مُنقادةً لحُكْمِه تعالى، واستَسلَمْتُ له، "وتَخلَّيتُ"، أي: وتبرَّأْتُ مِن الشِّركِ، "وتُقيمَ الصَّلاةَ"، أي: على وَقتِها مُراعيًا شُروطَها، وأركَانَها، وسُننَها، "وتُؤتيَ الزَّكاةَ"، أي: الزَّكاةَ المفروضةَ بشُروطِها إذا وجبتْ عليك وملَكْتَ نِصابَها، على الوَجهِ الَّذي يُرضي اللهَ عزَّ وجلَّ، "كلُّ مُسلمٍ على مُسلِمٍ محرَّمٌ"، أي: دَمُه ومَالُه وعِرضُه، "أَخَوانِ نَصيرانِ"، أي: هما أخَوانِ يَتَناصَرانِ ويَتعاضَدان، لا أنْ يَسلُبَ أحَدُهما حُقوقَ الآخَرِ، "لا يَقبَلُ اللهُ عزَّ وجلَّ مِن مُشرِكٍ بعدَما أسلَمَ عمَلًا، أو يُفارِقَ المشرِكين إلى المسلِمين"، وفي رِوايةٍ: "لا يَقبَلُ اللهُ مِن مُشرِكٍ أشرَكَ بعدَما أَسلَم عمَلًا، حتَّى يُفارِقَ المشرِكين إلى المُسلِمين"، أي: تُعَلَّقُ أَعمالُه حتَّى يَرجِعَ عن رِدَّتِه، ويَهجُرَ أرضَ المشركين إلى بِلادِ المسلِمين، وفي رِوايةٍ: "لا يَقبَلُ اللهُ مِن أحَدٍ تَوبةً أشرَكَ بعدَ إسلامِه"
وإقامَةُ المسلِمِ في بِلادِ الكُفرِ لا بُدَّ فيها مِن شَرْطَين أساسَيْن
الأوَّلُ: الأَمنُ على دِينِه وأنْ يكونَ عِندَه مِن العِلمِ والإيمانِ، وقوَّةِ العزيمةِ ما يُطَمْئِنُه على الثَّباتِ على دِينِه والحذَرِ مِن الانحِرافِ والزَّيغِ
والشَّرطُ الثَّاني: أنْ يتمَكَّنَ مِن إظهارِ دِينِه؛ بحيث يَقومُ بشعائِرِ الإسلامِ بدونِ مُمانِعٍ، فلا يُمنَعُ مِن إقامَةِ الصَّلاةِ والجُمعةِ والجَماعاتِ، وإلَّا فَقدْ وجَب عليه الهِجرةُ إلى أرضِ الإسلامِ
وقد ثبَت عن النَّبيِّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم أنَّه قال: "مَلْعونٌ مَن سأَلَ بوَجهِ اللهِ، ومَلعونٌ مَن يُسأَلُ بوَجهِ اللهِ، ثمَّ منَع سائلَه ما لَم يَسألْه هُجرًا"، ووَجهُ الجَمعِ بينَ الحديثَينِ: أنْ يُحمَلَ هذا الحَديثُ على مَن يَسأَلُ بوَجهِ اللهِ تعالى بلا حاجَةٍ تَدْعوه لذلك، وإنَّما لِمُجرَّدِ عدَمِ مُبالاتِه بعَظَمَةِ اسْمِ اللهِ تعالى، أمَّا السُّؤالُ بوَجهِ اللهِ لضَرورةٍ فلا حرَجَ فيه
وفي الحديثِ: إثباتُ أنَّ للهِ عزَّ وجلَّ وَجهًا يَليقُ بذاتِه وكَمالِه مِن غَيرِ تَكييفٍ أو تَجسيمٍ