باب: ومن سورة التوبة10
سنن الترمذى
حدثنا قتيبة قال: حدثنا الليث، عن عمران بن أبي أنس، عن عبد الرحمن بن أبي سعيد، عن أبي سعيد الخدري، أنه قال: تمارى رجلان في المسجد الذي أسس على التقوى من أول يوم، فقال رجل: هو مسجد قباء، وقال الآخر: هو مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «هو مسجدي هذا»: «هذا حديث حسن صحيح من حديث عمران بن أبي أنس وقد روي هذا عن أبي سعيد من غير هذا الوجه»، ورواه أنيس بن أبي يحيى، عن أبيه، عن أبي سعيد
كان الصَّحابةُ رَضِي اللهُ عَنهم إذا اختَلفوا في شيءٍ أو خَفِي عليهم أمرٌ لجَؤوا إلى رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم، فيُزيلُ مِن بينِهم الخلافَ، ويوضِّحُ لهم ما خَفي عليهم، ويُعلِّمُهم ما يَنفَعُهم.
وفي هذا الحديثِ: يَحكي الصَّحابيُّ الجليلُ أبو سعيدٍ الخدريُّ: أنَّه "امتَرى" مِن المراءِ وهو الجِدالُ أي: تَجادَل واختَلَف، "رجلٌ مِن بني خُدْرَةَ، ورجلٌ مِن بَني عمرِو بنِ عوفٍ" بَنو خُدْرةَ وبَنو عَمرِو بنِ عوفٍ، وهُما قَبيلَتان مِن الأنصارِ، "في المسجِدِ الَّذي أُسِّس على التَّقْوى"، أي: اختَلَف الرَّجُلانِ في المقصودِ بالمسجِدِ المذكورِ في قولِ اللهِ تعالى: {لَمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ أَحَقُّ أَنْ تَقُومَ فِيهِ} [التوبة: 108]؛ هل هو مَسجِدُ قُباءٍ أم مَسجدُ النَّبيِّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم؟ فقال الخدريُّ: "هو مسجدُ رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم"، أي: المقصودُ بالمسجدِ الَّذي أُسِّس على التَّقوى هو مسجدُ النَّبيِّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم، "وقال الآخَرُ"، أي: الرَّجُلُ الَّذي مِن بَني عمرِو بنِ عوفٍ: "هو مسجِدُ قُباءٍ"، أي: المقصودُ بالمسجدِ الَّذي أُسِّس على التَّقْوى هو مسجِدُ قُباءٍ، "فأتَيا رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم في ذلك"، أي: فذَهَب الرَّجُلانِ إلى النَّبيِّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم يَسْألانِه عن المقصودِ بالمسجدِ الَّذي أُسِّس على التَّقْوى، "فقال"، أي: النَّبيُّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم: "هو هذا"، أي: هو مَسْجدي هذا الَّذي أُسِّس على التَّقوى- "يَعْني مَسجِدَه"، أي: مسجِدَ النَّبيِّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم- "وفي ذلك خيرٌ كثيرٌ"، أي: وفي مسجدِ قُباءٍ أيضًا خيرٌ كثيرٌ مِن الأجرِ والثَّوابِ والبرَكةِ لِمَن صلَّى فيه، ومَسجِدُ قُباءٍ هو أوَّلُ مَكانٍ صلَّى فيه النَّبيُّ عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ عندَ مَقدِمِه إلى المدينةِ.