باب ما جاء لا تقوم الساعة حتى يخرج كذابون2
سنن الترمذى
حدثنا قتيبة قال: حدثنا حماد بن زيد، عن أيوب، عن أبي قلابة، عن أبي أسماء الرحبي، عن ثوبان قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا تقوم الساعة حتى تلحق قبائل من أمتي بالمشركين، وحتى يعبدوا الأوثان، وإنه سيكون في أمتي ثلاثون كذابون كلهم يزعم أنه نبي وأنا خاتم النبيين لا نبي بعدي»: هذا حديث صحيح
كان النَّبيُّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم يُخبِرُ الصَّحابةَ رَضِي اللهُ عَنهم بما سيَكونُ في أمَّتِه بعدَ موتِه، مِن الفتنِ والعَظائمِ، وهذا تَعليمٌ وتَعريفٌ للأمَّةِ كلِّها بما سيَحدُثُ فيها، حتَّى يَجتَنِبوا دَواعيَه، ويَكونوا على حذَرٍ، ويُسارِعوا إلى مُعالَجتِه عندَ حُدوثِه.
وفي هذا الحديثِ يقولُ النَّبيُّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم: "لا تَقومُ السَّاعةُ"، أي: لن يأتِيَ يومُ القيامةِ "حتَّى تَلحَقَ قبائلُ"، أي: تُدرِكَ طَوائِفُ وأقوامٌ "مِن أُمَّتي"، أي: مِن أمَّةِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم "بالمُشرِكِين"، أي: يَلحَقون بهم في الاعتِقادِ كما حصَل في رِدَّةِ بَعضِ القَبائلِ بعدَ وَفاةِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم، أو يَلحَقون بهم في دِيارِهم، فيَعتقِدون اعتِقادَهم، ويَفعَلون فِعالَهم وخِصالَهم، في أيِّ زمَنٍ مِن الأزمنةِ، "وحتَّى يَعبُدوا الأوثانَ"، أي: يَترُكوا الإسلامَ، ويَرتدُّوا ويَعبُدوا الأصنامَ، أو يتَنصَّرون.
ثمَّ قال النَّبيُّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم: "وإنَّه سيَكونُ في أمَّتي ثَلاثون كذَّابون"، أي: سيَظْهَرُ في أمَّةِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم مَن يُظهِرُ الكَذِبَ وعدَدُهم ثَلاثون، "كلُّهم يَزعُمُ"، أي: كلُّهم يَدَّعي "أنَّه نبيٌّ"، أي: يقولُ كَذِبًا وزُورًا: إنَّه مُرسَلٌ ويُوحَى إليه مِن اللهِ، وقد خرَج بَعضُهم في زَمنِ النُّبوَّةِ وعَهْدِ الصَّحابةِ، مِثلُ: مُسيلِمةَ الكذَّابِ، والأسوَدِ العَنسيِّ؛ فبيَّن النَّبيُّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم أنَّ ذلك افتِراءٌ وادِّعاءٌ، فما أحَدٌ ادَّعى النُّبوَّةَ والرِّسالةَ بعدَ النَّبيِّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم إلَّا وقد فَضَحَه اللهُ وأظهَر كَذِبه، ثمَّ قال النَّبيُّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم: "وأنا خاتَمُ النَّبيِّين لا نبيَّ بعدي"، أي: إنَّ اللهَ ختَم بالنَّبيِّ محمَّدٍ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم الرِّسالاتِ والأنبياءَ فانقَطَع الوحيُ بموتِه صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم؛ فلا يَكونُ هُناك نبيٌّ حقًّا يُوحَى إليه مِن اللهِ بعدَ النَّبيِّ محمَّدٍ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم.
وفي الحديثِ: مُعجزةٌ ظاهرةٌ للنَّبيِّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم بإخبارِه عمَّا سيَحدُثُ بعده وقد وقَعَ منه أمورٌ كما أَخْبَر.
وفيه: تَحذيرٌ نبويٌّ مِن مُدَّعي النُّبوَّةِ بعدَه وما سيَظهَرُ مِن الفتنِ.