‌‌باب ما جاء في صدقة الفطر1

سنن الترمذى

‌‌باب ما جاء في صدقة الفطر1

حدثنا محمود بن غيلان قال: حدثنا وكيع، عن سفيان، عن زيد بن أسلم، عن عياض بن عبد الله، عن أبي سعيد الخدري قال: «كنا نخرج زكاة الفطر إذ كان فينا رسول الله صلى الله عليه وسلم صاعا من طعام، أو صاعا من شعير، أو صاعا من تمر، أو صاعا من زبيب، أو صاعا من أقط»، فلم نزل نخرجه حتى قدم معاوية المدينة، فتكلم، فكان فيما كلم به الناس إني لأرى مدين من سمراء الشام تعدل صاعا من تمر، قال: فأخذ الناس بذلك قال أبو سعيد: «فلا أزال أخرجه كما كنت أخرجه»: " هذا حديث حسن صحيح، والعمل على هذا عند بعض أهل العلم يرون: من كل شيء صاعا وهو قول الشافعي، وأحمد، وإسحاق «،» وقال بعض أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وغيرهم: من كل شيء صاع إلا من البر، فإنه يجزئ نصف صاع، وهو قول سفيان الثوري، وابن المبارك «،» وأهل الكوفة يرون: نصف صاع من بر "
‌‌

زَكاةُ الفِطْرِ مِن العِباداتِ الَّتي مَنَّ اللهُ سُبحانَه وتعالَى بها علَينا؛ وجعَلَها طُهرةً وكفَّارةً لِما قد يقَعُ للصَّائمِ مِن نُقصانِ الأجْرِ في شَهْرِ رَمَضانَ، وطُعْمةً للمساكينِ مِن المسلمينَ، ولها أحكامُها وشُروطُها.
وفي هذا الحَديثِ يَحكي أبو سَعيدٍ الخُدريُّ رَضيَ اللهُ عنه أنَّ المُسلِمينَ في زَمانِ النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ وهو حاضِرٌ معهم كانوا يُخرِجون زَكاةَ الفِطرِ صَاعًا مِن طَعامٍ -وهو القمْحُ- أو تَمْرٍ، أو شَعيرٍ، أو زَبيبٍ، على عَهْدِ رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ والخُلفاءِ الراشدينَ مِن بعْدِه، فلمَّا جاءتْ خِلافةُ مُعاويةَ رَضيَ اللهُ عنه، وجاءتِ السَّمراءُ، أي: كثُرَتِ الحِنطةُ الشَّاميَّةُ ورخُصَتْ، قال مُعَاويةُ: أظُنُّ أنَّ مُدًّا واحدًا مِن هذا الحَبِّ أو القَمحِ يَعدِلُ مُدَّينِ مِن سائرِ الحبوبِ، والمُدُّ: مِقدارُ ما يَملَأُ الكَفَّينِ، والصَّاعُ: أربعةُ أمدادٍ؛ فالمُدُّ يُساوي الآنَ تَقريبًا (509) جِراماتٍ في أقلِّ تَقديرٍ، و(1072) جِرامًا في أعْلى تَقديرٍ، أمَّا الصَّاعُ فيُساوي بالجرامِ (2036) في أقلِّ تَقديرٍ، وفي أعْلى تَقْديرٍ يُساوي (4288) جرامًا، والمعْنى أنَّ مُعاوِيةَ رَضيَ اللهُ عنه رأى أنْ يُخرَجَ مِن الحِنطةِ الشاميَّةِ نِصفُ صاعٍ، وهو ما يَعدِلُ حَجْمَ الصاعِ مِن التَّمرِ أو الشَّعيرِ. وهذا صَريحٌ في أنَّ إخراجَ نِصفِ صاعٍ مِن القَمْحِ لم يكُنْ في زمَنِ النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، وإنَّما حَدَثَ بعْدَه؛ فالصَّاعَ هو فَرضُ صَدقةِ الفِطرِ في أيِّ قُوتٍ مُخرَجٍ، وأمَّا قَولُ معاويةَ رَضِيَ اللهُ عنه فهو اجتهادٌ له لا يُعادِلُ النُّصوصَ.