باب: ومن سورة الزخرف
سنن الترمذى
حدثنا عبد بن حميد قال: حدثنا محمد بن بشر، ويعلى بن عبيد، عن حجاج بن دينار، عن أبي غالب، عن أبي أمامة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما ضل قوم بعد هدى كانوا عليه إلا أوتوا الجدل»، ثم تلا رسول الله صلى الله عليه وسلم هذه الآية: {ما ضربوه لك إلا جدلا بل هم قوم خصمون} [الزخرف: 58]: " هذا حديث حسن صحيح إنما نعرفه من حديث حجاج بن دينار وحجاج ثقة مقارب الحديث، وأبو غالب اسمه: حزور "
كان الصَّحابةُ رَضِي اللهُ عَنْهم أبعَدَ النَّاسِ عَن الجدَلِ والمِرَاءِ؛ وذلك امتِثالًا منهم لِوَصايا رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ علَيْه وسلَّم.
وفي هذا الحديثِ يقولُ النَّبيُّ صلَّى اللهُ علَيْه وسلَّم: "ما ضَلَّ قومٌ"، أي: أصبَحوا ضالِّين عن الحقِّ واتِّباعِه، "بعدَ هُدًى كانوا عليه"، أي: بعدَ أن كانوا على الحقِّ "إلَّا أُوتوا الجدَلَ"، أي: أُعطُوا الجدَلَ، والجدَلُ هو شِدَّةُ المُخاصَمةِ في الباطلِ، والتَّعصُّبُ للمذاهبِ الفاسدةِ، والابتِعادُ عَن القرآنِ وعن سُنَّةِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ علَيْه وسلَّم، وليس الغرَضُ مِن هذا الجدالِ كَشْفَ الحقائقِ وتبيينَها، "ثمَّ تلا"، أي: قرَأ النَّبيُّ صلَّى اللهُ علَيْه وسلَّم هذه الآيةَ لِيَستدِلَّ ويَستشهِدَ بما قرَّره بقولِ اللهِ تعالى: {مَا ضَرَبُوهُ لَكَ إِلَّا جَدَلًا بَلْ هُمْ قَوْمٌ خَصِمُونَ} [الزخرف: 58]، أي: بهذا المثَلِ الَّذي هو قولُه تعالى: {وَلَمَّا ضُرِبَ ابْنُ مَرْيَمَ مَثَلًا إِذَا قَوْمُكَ مِنْهُ يَصِدُّونَ * وَقَالُوا أَآلِهَتُنَا خَيْرٌ أَمْ هُوَ} [الزخرف: 57، 58]، أي: الأوثانُ التي يَعبُدونها خيرٌ أم عِبادةُ عيسى عليه السَّلامُ، فبيَّن اللهُ عزَّ وجلَّ للنَّبيِّ صلَّى اللهُ علَيْه وسلَّم أنَّه ما كان هذا المثَلُ الَّذي ضرَبوه {إلَّا جدَلًا}، أي: للجِدالِ والخُصومَةِ بالباطلِ.
وفي الحديثِ: الحثُّ على تَرْكِ الجدالِ، وبيانُ المفاسدِ التي يُؤدِّي إليها الجِدالُ في الباطلِ.