باب ومن سورة القيامة
سنن الترمذى
حدثنا ابن أبي عمر قال: حدثنا سفيان بن عيينة، عن موسى بن أبي عائشة، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس، قال: «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا نزل عليه القرآن يحرك به لسانه يريد أن يحفظه»، فأنزل الله تبارك وتعالى: {لا تحرك به لسانك لتعجل به} [القيامة: 16] قال: فكان يحرك به شفتيه، وحرك سفيان شفتيه،: «هذا حديث حسن صحيح». قال علي: قال يحيى بن سعيد: «وكان سفيان الثوري يحسن الثناء على موسى بن أبي عائشة خيرا»
كان نُزولُ الوَحْيِ على النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ وتَلقِّيه له أمرًا شديدًا عليه؛ إذ كان صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ يَتصبَّبُ عَرَقًا ممَّا يُلاقِيه مِن شِدَّةٍ عِندَ تَلقِّيه الوَحْيَ. وفي هذا الحديثِ يَذكُرُ عبدُ الله بنُ عَبَّاسٍ رَضيَ اللهُ عنهما سببَ نزولِ قولِه تعالى: {لَا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ}، فيُخبِرُ أنَّ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ كان يُعالِجُ مِن التنزيلِ شِدَّةً مِن تَلقِّيه الوَحْيَ؛ لعِظَمِ ما يُلاقِيه مِن هَيبةِ المَلَكِ وما يأخُذُ عنه، وثِقَلِ الوَحْيِ، ولخَشيتِه صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ أنْ يَضيعَ القُرآنُ ويتفلَّتَ قبْلَ أن يَضبِطَه كان يُحرِّك شَفَتَيْه في أثناءِ نُزولِ الوَحْي بالقُرآنِ؛ مَخَافةَ أن يَذهبَ عنه جِبْرِيلُ عليه السَّلام دونَ أن يَحفظَ ما نُزِّل عليه، فأنزلَ اللهُ تعالَى: {لَا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ، إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ} أي: جَمْعَه في صَدرِك فلا تَنْسَى منه شيئًا، {فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ} فاستمِعْ له وأَنْصِتْ، {ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ} ثمَّ إنَّ علينا أن تَقْرَأَه، فتكفَّل اللهُ سبحانه وتعالى بأن يَثبُتَ القُرآنُ في صَدرِه صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ فيَتْلُوَ منه ما شاء بعدَ انقضاءِ الوَحْي، فكان رسولُ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ بعْدَ ذلك إذا أتاهُ جِبْريلُ بالوَحْيِ استمَع دُونَ أن يَتعجَّلَ في تلقِّيه؛ استجابةً لأمرِ الله عزَّ وجلَّ، فإذا انطَلَقَ جِبريلُ عليه السلامُ منصرِفًا قَرَأ النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ القرآنَ كما قرأه جِبْريلُ عليه السلامُ. وقولُ الرَّاوي: «فقال ابنُ عَبَّاسٍ: فأنا أُحرِّكُهُما لكم كما كان رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ يُحرِّكُهُما، وقال سَعيدٌ: أنا أُحرِّكُهُما كما رأيتُ ابنَ عَبَّاسٍ يحرِّكُهما، فحَرَّك شَفَتَيْه» هو زِيادةُ بيانٍ على القَولِ، بالوَصْفِ.
وهذا الحَديثُ يُسمَّى في عِلمِ مُصطَلحِ الحَديثِ: المُسَلْسَلَ بتَحريكِ الشَّفَةِ، لكنَّه لم يَتَّصِلْ تَسَلْسُلُه.