باب ومن سورة والضحى
سنن الترمذى
حدثنا ابن أبي عمر قال: حدثنا سفيان بن عيينة، عن الأسود بن قيس، عن جندب البجلي، قال: كنت مع النبي صلى الله عليه وسلم في غار، فدميت إصبعه، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «هل أنت إلا إصبع دميت، وفي سبيل الله ما لقيت» قال: وأبطأ عليه جبريل، فقال المشركون: قد ودع محمد، فأنزل الله تعالى: {ما ودعك ربك وما قلى} [الضحى: 3]: «هذا حديث حسن صحيح»، وقد رواه شعبة، والثوري، عن الأسود بن قيس
قال تَعالى: {إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ} [التوبة: 111]، فعاوَضَ اللهُ تعالَى عِبادَه المُؤمِنينَ عن أنفُسِهم وأموالِهم -إذْ بَذَلوها في سَبيلِه- بالجَنَّةِ، وهذا مِن فَضلِه وكَرَمِه وإحسانِه.
وفي هذا الحَديثِ يُخبِرُ الصَّحابيُّ جُندُبُ بنُ عَبدِ اللهِ بنِ سُفيانَ رَضيَ اللهُ عنه أنَّ رَسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ كان في إحْدى غَزَواتِه، وقيلَ: كان ذلك في غَزوةِ أُحُدٍ، فجُرِحَتْ إصْبَعُ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، فقال يُخاطِبُها على سَبيلِ التَّسليةِ: «هَلْ أنتِ إلَّا إصْبَعٌ دَمِيتِ ** وفي سَبيلِ اللهِ ما لَقِيتِ؟!» أيْ: هَوِّنِي على نَفْسِكِ؛ فإنَّكِ ما ابتُلِيتِ بشَيءٍ مِنَ الهَلاكِ والقَطْعِ، سِوَى أنَّكِ جُرِحْتِ وظَهَرَ منكِ الدَّمُ، ولم يكُنْ ذلك هَدَرًا، بلْ كان في سَبيلِ اللهِ ورِضاه. وقيلَ: هذا مِنَ الرَّجَزِ المَوزونِ الذي يَقَعُ في النَّادِرِ ويَجري على لِسانِه صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ مِن غَيرِ قَصدٍ أو حِكايةٍ، فليس هو كالشِّعرِ؛ فقد قال اللهُ تَعالى: {وَمَا عَلَّمْنَاهُ الشِّعْرَ وَمَا يَنْبَغِي لَهُ} [يس: 69]، وقيلَ: هذا مِن شِعرِ عَبدِ اللهِ بنِ رَواحةَ، تَمثَّلَ به رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ في هذا المَوقِفِ.
وفي الحَديثِ: أنَّ الأنبياءَ يُصابَونُ ببَعضِ المَكروهِ؛ لِيَعظُمَ أجْرُهم؛ فهُم أشَدُّ النَّاسِ بَلاءً.