باب في ترك الوضوء قبل الطعام
سنن الترمذى
حدثنا أحمد بن منيع قال: حدثنا إسماعيل بن إبراهيم، عن أيوب، عن ابن أبي مليكة، عن ابن عباس، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج من الخلاء فقرب إليه طعام، فقالوا: ألا نأتيك بوضوء؟ قال: «إنما أمرت بالوضوء إذا قمت إلى الصلاة»: هذا حديث حسن وقد رواه عمرو بن دينار، عن سعيد بن الحويرث، عن ابن عباس، وقال علي بن المديني: قال يحيى بن سعيد: كان سفيان الثوري «يكره غسل اليد قبل الطعام، وكان يكره أن يوضع الرغيف تحت القصعة»
الطَّهارَةُ والوُضوءُ شَرطٌ لصحَّةِ الصَّلاةِ، فلا تُقبَلُ صَلاةٌ بغيرِ وُضوءٍ أو طَهارةٍ، أمَّا الوُضوءُ بعدَ قَضاءِ الحاجةِ وما إلى ذلك فإنَّما هو منَ المُستحَبَّاتِ، وكان النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ يُعلِّمُ أُمَّتَه ما وَجَب عليهم وما لا يَجِبُ، ولا يَحمِلُهم على فِعلِ المُستحَبِّ دائمًا، وإنَّما يُبيِّنُ لهم ذلك بتَركِ الفِعل أحيانًا ليُعلَمَ مَشروعيَّتُه.
وفي هذا الحديثِ يَروي عبدُ اللهِ بنُ عبَّاسٍ رَضيَ اللهُ عنهما أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ جاءَ مِنَ الغائطِ، وهو في الأصلِ المكانُ المُطمَئنُّ الواسعُ منَ الأرضِ، ثُمَّ أُطلِقَ الغائطُ على الخارجِ المُستقذَرِ منَ الإنسانِ؛ كراهيةً لتَسميتِه باسمِه الخاصِّ، فلمَّا قَضَى النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ حاجَتَه أُتيَ بطَعامٍ، فجَلَسَ ليَأكُلَ، فقيل له: ألَا تَتوضَّأُ من أجلِ أنَّك قَضَيتَ حاجتَك وسَتَأكُلُ؟ فقال صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ مُستنكِرًا: «أَأُصَلِّي فأتَوضَّأَ؟!» يعني: هل سَأُصَلِّي حتَّى يَجِبَ علَيَّ الوُضوءُ؟! فبيَّن صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ أنَّ ما فَعَله لا يُوجِبُ الوُضوءَ، وأنَّ الإنسانَ إذا قَضَى حاجتَه وأراد أن يَأكُلَ فليس عليه الوُضوءُ.
وفي الحديثِ: بيانُ أنَّ الوُضوءَ إنَّما يَكونُ فيما أمَرَ اللهُ ورسولُه به، وليسَ قبْلَ كلِّ أمرٍ ولا بعدَ كلِّ غائطٍ.