باب: ومن سورة يوسف
سنن الترمذى
حدثنا الحسين بن حريث الخزاعي قال: حدثنا الفضل بن موسى، عن محمد بن عمرو، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إن الكريم ابن الكريم ابن الكريم ابن الكريم يوسف بن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم، قال: ولو لبثت في السجن ما لبث يوسف ثم جاءني الرسول أجبت ثم قرأ {فلما جاءه الرسول قال ارجع إلى ربك فاسأله ما بال النسوة اللاتي قطعن أيديهن} [يوسف: 50] قال ورحمة الله على لوط إن كان ليأوي إلى ركن شديد، إذ قال: {قال لو أن لي بكم قوة أو آوي إلى ركن شديد} [هود: 80] فما بعث الله من بعده نبيا إلا في ذروة من قومه " حدثنا أبو كريب قال: حدثنا عبدة، وعبد الرحيم، عن محمد بن عمرو، نحو حديث الفضل بن موسى، إلا أنه قال: «ما بعث الله بعده نبيا إلا في ثروة من قومه». قال محمد بن عمرو: " الثروة: الكثرة والمنعة ": «وهذا أصح من رواية الفضل بن موسى، وهذا حديث حسن»
لقدْ ضرَب النَّبيُّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم أروع الأمثلةِ في التَّواضُعِ والتَّوقيرِ لِمَن سبَقَه مِن الأنبياءِ، وفي هذا الحديثِ يقولُ النَّبيُّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم: "إنَّ الكريمَ ابنَ الكريمِ ابنِ الكريمِ ابنِ الكريمِ: يوسفُ بنُ يعقوبَ بنِ إسحاقَ بنِ إبراهيمَ"، وذلك أنَّه نبيٌّ ابنُ نبيٍّ ابنِ نبيٍّ ابنِ نبيٍّ، قال النَّبيُّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم: "ولو لَبِثتُ في السِّجْنِ ما لَبِثَ يوسفُ"، أي: ولو مكَثتُ في السِّجنِ بمِثلِ المدَّةِ الَّتي مكَثَها يوسفُ عليه السَّلامُ، "ثمَّ جاءني الرَّسولُ أجَبتُ"، أي: أسرَعتُ في الإجابةِ للخُروجِ مِن السِّجنِ، وهو وصفٌ مِن النَّبيِّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم لِمَا كان عِندَ يوسُفَ مِن شدَّةِ الصَّبرِ، وأنَّه لم يُسرِعْ للخُروجِ، وهذا مِن شدَّةِ تَواضُعِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم؛ مِمَّا يَزيدُه رِفْعةً وإجلالًا، "ثمَّ قرَأ"، أي: قولَه تعالى: {فَلَمَّا جَاءَهُ الرَّسُولُ قَالَ ارْجِعْ إِلَى رَبِّكَ فَاسْأَلْهُ مَا بَالُ النِّسْوَةِ اللَّاتِي قَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ} [يوسف: 50]، والمرادُ بالرَّسولِ: هو رَسولُ الملِكِ الَّذي جاءه يَدْعوه إلى الملِكِ، وامتنَع يوسُفُ عَن الخروجِ حتَّى يُثبِتَ بَراءتَه ممَّا اتُّهِم به مِن النِّساءِ.
ثمَّ قال النَّبيُّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم: "ورحمةُ اللهِ على لوطٍ، إنْ كان لَيَأوي إلى رُكنٍ شديدٍ"، أي: كان يَطلُبُ العزَّةَ والمنَعةَ مِن قَومِه حتَّى لا يُؤذُوا ضُيوفَه بتَعمُّدِهم إلى فِعْلِ الفاحِشةِ فيهم، وإنَّما تَرحَّم عليه النَّبيُّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم لِسَهوِه حينَ ضاق صَدرُه، وأنَّه كان يَأْوي إلى اللهِ تعالى؛ فاللهُ عزَّ وجلَّ أشَدُّ الأركانِ وأقواها، وقيل المعنى: أنَّه الْتَجَأ إلى اللهِ فيما بينَه وبينَ اللهِ، وأظهَر للأضيافِ العُذرَ وضِيقَ الصَّدرِ، وهذا إشارةٌ مِن النَّبيِّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم إلى قولِه تعالى: {وَلَمَّا جَاءَتْ رُسُلُنَا لُوطًا سِيءَ بِهِمْ وَضَاقَ بِهِمْ ذَرْعًا وَقَالَ هَذَا يَوْمٌ عَصِيبٌ * وَجَاءَهُ قَوْمُهُ يُهْرَعُونَ إِلَيْهِ وَمِنْ قَبْلُ كَانُوا يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ قَالَ يَاقَوْمِ هَؤُلَاءِ بَنَاتِي هُنَّ أَطْهَرُ لَكُمْ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَلَا تُخْزُونِ فِي ضَيْفِي أَلَيْسَ مِنْكُمْ رَجُلٌ رَشِيدٌ * قَالُوا لَقَدْ عَلِمْتَ مَا لَنَا فِي بَنَاتِكَ مِنْ حَقٍّ وَإِنَّكَ لَتَعْلَمُ مَا نُرِيدُ * قَالَ لَوْ أَنَّ لِي بِكُمْ قُوَّةً أَوْ آوِي إِلَى رُكْنٍ شَدِيدٍ} [هود: 77- 80]، قال النَّبيُّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم: "فما بعَث اللهُ"، أي: أرسَل، "مِن بَعدِه نبيًّا؛ إلَّا في ذِرْوةٍ مِن قَومِه"، وفي روايةٍ: "إلَّا في ثَرْوةٍ مِن قَومِه"، والمرادُ بالذِّروةِ: أَعْلاها نسَبًا، والمرادُ بالثَّروةِ: الكَثرةُ والمنَعةُ.