بقية حديث عبد الله بن أبي أوفى، عن النبي صلى الله عليه وسلم 26
مستند احمد
حدثني أبو عبد الرحمن صاحب الهروي واسمه عبيد الله بن زياد، أخبرنا إسماعيل بن أبي خالد، عن عبد الله بن أبي أوفى قال: «بشر رسول الله صلى الله عليه وسلم خديجة ببيت في الجنة من قصب، لا صخب فيه، ولا نصب»
لأُمِّ المُؤمنِينَ خَديجةَ بنتِ خُوَيْلِدٍ رضِيَ اللهُ عنها فضائلُ كثيرةٌ جدًّا؛ فهي زَوْجُ النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم وأوَّلُ مَن آمَنَ بالنبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم من النِّساءِ، وقد واسَتْهُ بمالِها، وكانتْ تَتميَّزُ بقُوَّةِ يَقينِها، ووَفْرةِ عَقْلِها، وصِحَّةِ عَزْمِها
وفي هذا الحَديثِ بيانٌ لبعضِ فَضائلِها، حيثُ يقولُ النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: "أَتاني جِبْرِيلُ فقال: يا رسولَ اللهِ، هذه خَديجةُ قد أَتَتْكَ معَها إناءٌ فيه إدامٌ -أو طعامٌ، أو شرابٌ-، فإذا هي قد أَتَتْكَ، فاقْرَأْ عليها السَّلامَ مِن ربِّها ومِنِّي" وهذا بيانُ مكانتِها عندَ اللهِ عزَّ وجلَّ، "وبَشِّرْها ببَيْتٍ في الجنَّةِ من قَصَبٍ"، أي: بقَصْرٍ في الجنَّةِ، وإنَّما عوَّضَها ببَيتٍ في الجَنَّةِ إذ الجزاءُ مِن جِنسِ العَملِ؛ لأنَّها أوَّلُ مَن بَنى بيتًا في الإسلامِ بتزويجِها سيِّدَ الأنامِ، ورَغبتِها فيه؛ فكانتْ ربَّةَ أوَّلِ بيتٍ في الإسلامِ. والمراد بالقَصَبِ هنا: اللُّؤْلُؤُ المُجَوَّفُ الواسعُ كالقَصرِ المَنيفِ، "لا صَخَبَ فيه"، أي: لا يكونُ فيه ضَجَّةٌ ولا صِياحٌ، والصَّخَبُ: هو الصَّوْتُ المُرْتَفِعُ، "ولا نَصَبَ" وهو المشَقَّةُ والعَناءُ والتَّعَبُ، وفي هذا إخبارٌ أنَّ قُصورَ الجَنَّةِ خاليةٌ عن مِثلِ آفاتِ الدُّنيا؛ فأهل الجنة في سلام وأمان كما وصفهم الله {هُمْ وَأَزْوَاجُهُمْ فِي ظِلَالٍ عَلَى الْأَرَائِكِ مُتَّكِئُونَ * لَهُمْ فِيهَا فَاكِهَةٌ وَلَهُمْ مَا يَدَّعُونَ * سَلَامٌ قَوْلًا مِنْ رَبٍّ رَحِيمٍ } [يس: 56 58]. وقيل: إنَّها حِينَ دعاها النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ للإسلامِ أجابتْه طوعًا ولم تُحوِجْه إلى صَخَبٍ ولا نَصَبٍ برَفْعِ صوتٍ ولا مُنازعةٍ في ذلك؛ فناسَبَ أنْ يكونَ بيتُها في الجَنَّةِ على الصِّفةِ المقابلةِ لفِعلِها
وفي الحديثِ: فَضيلةٌ عظيمةٌ ومَنْقبةٌ جليلةٌ لأُمِّ المُؤْمنينَ خَديجةَ رضِيَ اللهُ عنها