بقية حديث عقبة بن عامر الجهني 7
مستند احمد
قال أبو عبد الرحمن: وجدت هذا الحديث في كتاب أبي بخط يده: كتب إلي الربيع بن نافع أبو توبة، وكان في كتابة حدثنا الهيثم بن حميد، عن زيد بن واقد، عن سليمان بن موسى، عن كثير بن مرة، عن عقبة بن عامر، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «المسر بالقرآن كالمسر بالصدقة، والمجهر بالقرآن كالمجهر بالصدقة»
العِباداتُ كلُّها يَنبَغي أن تَكونَ خالِصةً لوجهِ اللهِ، ولا يُطلَبَ بها الرِّياءُ ولا السُّمعةُ ولا التَّفاخرُ بينَ النَّاسِ؛ لأنَّ اللهَ غنيٌّ عن كلِّ ذلك، وإنَّما يَقبَلُ مِن تلك العباداتِ ما كان خالِصًا لوجهِه سبحانَه
وفي هذا الحديثِ يَقولُ النَّبيُّ صلَّى اللهُ علَيْه وسلَّم: "الجاهرُ بالقرآنِ"، أي: الَّذي يَرفَعُ صوتَه بالقرآنِ في القِراءةِ، وخاصَّة أمامَ النَّاسِ؛ "كالجاهرِ بالصَّدقةِ"، أي: مِثلُ المُجاهِرِ المُعلِنِ لصَدقتِه أمامَ النَّاسِ "والمُسِرُّ بالقرآنِ كالمُسِرِّ بالصَّدقةِ"، أي: مَن يقرَأُ في سِرِّه ويتَدبَّرُ بعَقلِه مِثل الَّذي يُخفِي صَدَقتَه عن أعيُنِ النَّاسِ، والإسرارُ أفضلُ في حَقِّ مَن يَخافُ الرِّياءَ؛ لأنَّ الإسرارَ أبعدُ عن الرِّياءِ؛ فإنْ لم يَخَفْ، فالجهرُ أفضلُ بشَرْط ألَّا يُؤذِي غيرَه ولا يتأذَّى بقِراءتِه أحدٌ كمُصلٍّ أو نائمٍ أو غيرِهما، والعملُ في الجَهرِ أكثرُ، ويَتعدَّى نفْعُه إلى غيرِ القارئِ؛ ويُوقِظُ قلبَ القارِئ، ويَجمَع همَّه إلى الفِكر، ويصرِفُ سمْعَه إليه؛ ويطرُد النومَ، ويزيدُ في النشاط؛ فمتَى حضَره شيءٌ من هذه النِّيات؛ فالجهرُ أفضلُ؛ فإذا كان الجهرُ يترتَّبُ عليه مصلحةٌ، فهذا الجهرِ أوْلَى، وإذا لم يَكُن في الجَهرِ مَصلحةٌ فالإسرارُ أَوْلَى، فهذا أفضلُ مِن هذه الناحيةِ. وقيل: ما كان فيه التدبرُ أتمَّ فهو الأفضلُ
وفي الحديثِ: مدْحُ الإسرارِ بالعِباداتِ معَ إخلاصِها للهِ
وفيه: بيانُ أنَّه لا أجْرَ لِمَن يُرائِي بعِلْمه وقِراءَتِه