تأويل قول الله تعالى: {ومن ثمرات النخيل والأعناب تتخذون منه سكرا ورزقا حسنا} [النحل: 67] 4
سنن النسائي
أخبرنا إسحق بن إبراهيم، قال: أنبأنا جرير، عن حبيب وهو ابن أبي عمرة، عن سعيد بن جبير قال: «السكر خمر»
أكَّدَ الشَّرْعُ الحنيفُ عَلى بَيانِ أَمرِ الخَمرِ؛ لِيَحذَرَها النَّاسُ، وكَثُرَ التَّنبيهُ عَلى ذلك مِن كُلِّ جِهةٍ، وبيَّن النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ ماهيَّةَ الخمرِ وما يُصنَعُ منها
وفي هذا الحديثِ يَقولُ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: «الخَمرُ» وهو كلُّ ما خامَرَ العقلَ وغيَّبَه، «مِن هاتينِ الشَّجرَتينِ: الكَرْمَةِ والنَّخلَةِ»، أي: مِن ثَمَرِهما، والكَرْمَةُ: العِنَبَةُ، والمعنى: أنَّ مُعظَمَ الخمرِ إنَّما يُصنَعُ مِن عَصيرِ العِنبِ والتَّمرِ، وقَولُه صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ ليْس عَلى سَبيلِ الحَصْرِ، وإنَّما هُو لِتأكيدِ النَّهيِ عَنِ الخَمرِ المُتَّخَذِ مِن هاتينِ الشَّجرَتينِ؛ لضَراوَتِه وشِدَّةِ سَوْرَتِه فيهما، وإلَّا فإنَّ عِلَّةَ التَّحريمِ في الخمرِ هي الإسكارُ، كما ورَدَ في الصَّحيحينِ وغيرِهما، فيَلحَقُ بهما اتِّخاذُها مِن أيِّ شَيءٍ كان، فكلُّ ما يُسبِّبُ الإسكارَ ويُغيِّبُ العقلَ، فهو خمْرٌ يَحرُمُ تَعاطيهِ
ووقَعَ في هذا الحديثِ تَسميةُ العِنبِ كَرْمًا، وثبَتَ في الصَّحيحينِ أنَّه صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ قال: «لا تَقولوا: كَرْمٌ؛ فإنَّ الكَرْمَ قلْبُ المؤمنِ»، فيَحتمِلُ أنَّ هذا الاستعمالَ كان قبْلَ النَّهيِ، ويَحتمِلُ أنَّه استعْمَلَه بيانًا للجوازِ، وأنَّ النَّهيَ عنه ليْس للتَّحريمِ، بلْ لكراهةِ التَّنزيهِ، ويَحتمِلُ أنَّهم خُوطِبوا به للتَّعريفِ؛ لأنَّه المعروفُ في لِسانِهم والغالبُ في اسْتعمالِهم آنَذاكَ