حديث البراء بن عازب 64
مستند احمد
حدثنا يحيى، عن سفيان، قال: حدثني أبو إسحاق، قال [ص:515]: سمعت البراء، يقول: إن النبي صلى الله عليه وسلم أتي بثوب حرير، فجعلوا يتعجبون من حسنه، ولينه، فقال: «لمناديل سعد بن معاذ في الجنة، أفضل، أو أخير، من هذا»
كان النَّبيُّ صلَّى اللهُ علَيْه وسلَّم أزهَدَ الناسِ في الدُّنيا، وكان يُربِّي أصحابَه على ذلك، ويَربِطُهم دَومًا بالآخرةِ وما أعدَّهُ اللهُ لهمْ فيها مِن نَعيمٍ مُقيمٍ
وفي هذا الحديثِ يُخبِرُ أَنَسُ بنُ مالكٍ رَضيَ اللهُ عنه أنَّ أُكَيْدِرَ دُومَةَ -وأُكَيْدِرُ: حاكمُ دُومَةِ الجَنْدَلِ، مِن نَصارى العرَبِ، ودُومةِ الجَنْدَلِ: مَدينةٌ بالقُرْبِ مِن تَبُوكَ، شَمالَي الممْلكةِ العَربيَّةِ السُّعوديَّةِ، أسَرَهُ خالدُ بنُ الوليدِ لمَّا أرْسَلَه النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ إليه في سَرِيَّةٍ وهو في تَبوكَ سَنةَ تِسعٍ مِن الهِجرةِ، وقَتَلَ أخاهُ، وقَدِمَ به إلى المدينةِ، فَصالَحَه النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ على الجِزيةِ وأطْلَقَه- قد أَهْدَى للنَّبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم جُبَّةً مِن سُنْدُسٍ، وهو نَوعٌ مِن الحريرِ رَقيقٌ، فأَعْجَبَ النَّاسَ حُسْنُها، وكان صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ يَنْهَى عن لُبْسِ الحَرِيرِ، فلمَّا رَأَى النَّبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم إعجابَهم بها، قال لهم: «والَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بيَدِه»، يَحْلِفُ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ باللهِ عزَّ وجلَّ؛ وذلِك لأنَّ اللهَ هو الذي يَمْلِكُ الأنْفُسَ، وكثيرًا ما كان يُقْسِمُ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ بهذا القَسَمِ، «لَمَنَادِيلُ سَعْدِ بنِ مُعَاذٍ في الجنَّةِ أحْسَنُ مِن هذا»، وهذا إشارةٌ منه صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ إلى أَدْنَى ثِيَابِ سَعدٍ في الجنَّةِ؛ لأنَّ المَنادِيلَ -التي تُمسَحُ بها الأَيْدِي وغيرُها مِن الدَّنَسِ والوَسَخِ- هي أقلُّ ما يَملِكُه الشَّخصُ، فكأنَّ أقلَّ ما يكونُ لسَعْدِ بنِ مُعاذٍ رَضيَ اللهُ عنه في الجنَّةِ أفضلُ مِن هذا الحَرِيرِ؛ فإنَّ في الجنَّةِ ما لا عَينٌ رَأَت، ولا أُذُنٌ سَمِعَت، ولا خَطَرَ على قَلْبِ بَشَرٍ؛ {فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ} [السجدة: 17]
وفي الحديثِ: بَيانُ فَضلِ سَعْدِ بنِ مُعاذٍ رَضيَ اللهُ عنه، وأنَّه مِن أهلِ الجَنَّةِ
وفيه: قَبولُ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ الهديَّةَ مِن المشرِكين