حديث المغيرة بن شعبة 44
مستند احمد
حدثنا حسين بن علي، عن ابن سوقة، عن وراد، مولى المغيرة بن شعبة، قال [ص:127]: كتب معاوية إلى المغيرة بن شعبة أن اكتب إلي بشيء سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم، ليس بينك وبينه أحد، قال: فأملى علي، وكتبت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " إن الله حرم ثلاثا، ونهى عن ثلاث، فأما الثلاث اللاتي نهى الله عنهن: فقيل وقال، وإلحاف السؤال، وإضاعة المال "
أمَرَ الشَّرعُ المُطهَّرُ بفِعلِ ما في الاستِطاعةِ، ورغَّب فيما يُحِبُّه ويَرْضاهُ اللهُ ورَسولُه، وأمَرَ بالوقوفِ عندَ تَوْجيهاتِ اللهِ ورَسولِه وعدَمِ تَخَطِّيها، وحذَّر ممَّا يَكرَهُ اللهُ ويُبغِضُه
وفي هذا الحديثِ يُبيِّنُ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ أنَّ اللهَ سُبحانَه وتَعالَى يَرضَى لعبادِه ثلاثَ خِصالٍ، أي: يَأمرُهم بها؛ لأنَّ الرِّضا بالشَّيءِ يَستلزِمُ الأمرَ به، والأمرُ بالشَّيءِ يَستلزِمُ الرِّضا به، فيكونُ الرِّضا كِنايةً عن الأمرِ به، وكذلك الكراهيةُ والسَّخطُ يَستلزِمانِ النَّهيَ عن الشَّيءِ، والرِّضا والسَّخطُ والكراهةُ مِن الصِّفاتِ الَّتي أثبَتَها اللهُ تعالَى لنَفسِه في كتابِه، وأثبَتَها له النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ في أحاديثِه الصَّحيحةِ؛ فهي ثابتةٌ له على ظاهرِها، على ما يَليقُ بجَلالِه سُبحانه
فيَرضَى اللهُ سُبحانه لِعبادِه: أنْ يَعبُدوه وحْدَه ويُفرِدوه بالعبادةِ مع عمَلِ الطَّاعاتِ، واجتنابِ المعاصي، ولا يُشرِكوا به شيئًا، لا شِركًا أكبَر ولا شِركًا أصغَر؛ لأنَّ مَن أشرَكَ معه في عِبادتِه غيْرَه لم يَعبُدْه، ويَرضَى لهم أنْ يَعتصِموا بِحَبْلِ الله جميعًا، وهو التَّمسُّكُ بكتابِه العزيزِ، وحُدودِه، والتَّأدُّبُ بآدابِه، ويَرضَى لهم اتِّباعَ نَبيِّه صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ وعَدَمَ الاختِلافِ، وقولُه: «ولا تَفرَّقوا»، أي: اجتَمِعوا على الاعتصامِ بالقرآنِ والسُّنةِ اعتقادًا وعملًا، فتَتَّفِقُ كَلمتُكم، فتَتِمُّ لكم مَصالحُ الدُّنيا والدِّينِ، وتَسْلَمون مِن الاختلافِ والافتراقِ الَّذي حصَلَ لأهلِ الكتابينِ مِن اليهودِ والنَّصارى
ثمَّ بيَّن النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ أنَّ اللهَ سُبحانه يَكرَهُ لعبادِه ثلاثَ خِصالٍ أيضًا؛ فيَكرَهُ ويَسخَطُ: «قِيلَ وقالَ»، وهو فُضولُ ما يَتحدَّث به المُتجالِسون مِن قولِهم: قِيلَ كذا، وقالَ كذا؛ فإنَّ ذلك مِن دَوَاعِي الكَذِبِ وعدمِ التثبُّتِ واعتِقادِ غيرِ الحقِّ، ومِن أسبابِ وُقوعِ الفِتَنِ وتَنافُرِ القُلوبِ، ومِن الاشتِغالِ بالأُمورِ الضَّارَّةِ عن الأُمورِ النَّافِعة، وقَلَّ أن يَسْلَمَ أحدٌ مِن شَيءٍ مِن ذلك
ويَكرَهُ اللهُ سُبحانه كثرةَ السُّؤَالِ، أي: كَثرةَ سُؤالِ النَّاسِ أموالَهُم مِن غيرِ حاجةٍ، أو كَثرةَ السُّؤالِ في العِلمِ عمَّا في الدُّنيا أو الآخِرةِ، بالسُّؤالِ عن المُشكِلاتِ الَّتي تُعبِّدْنا بظاهِرِها، أو عمَّا لا حاجةَ للسَّائلِ به، أو المرادُ كَثرةُ سُؤالِ النَّاسِ عن أحوالِهِم حتَّى يُوقِعَهم في الحرَجِ
ويَكرَهُ أيضًا إضاعةَ المالِ، أي: إنفاقَه فيما لا يَحِلُّ والإسرافَ فيه وصَرْفَه في غيرِ وُجوهِه الشَّرعيَّةِ، وتَعريضَه للتَّلفِ، أو بِتَرْكِ حِفْظِه حتَّى يَضِيعَ، وسَببُ النَّهيِ أنَّه إفسادٌ، واللهُ لا يُحِبُّ المفْسِدينَ، ولأنَّه إذا أضاعَ مالَه احتاجَ لِما في أيْدي النَّاسِ
وفي الحديثِ: الحثُّ على الجَماعةِ، والأمرُ بلُزومِها وتَوحيدِ صُفوفِها
وفيه: تَرْكُ الخَوْضِ في أخبارِ النَّاسِ وتَتبُّعِ أحوالِهم وحِكايةِ أقوالِهم وأفعالِهم
وفيه: الحثُّ على الحِفاظِ على المالِ وعدمِ الإسرافِ فيه