حديث النعمان بن بشير عن النبي صلى الله عليه وسلم 37
مستند احمد
حدثنا وكيع، عن إسرائيل، عن أبي إسحاق، عن العيزار بن حريث، عن النعمان بن بشير، قال: جاء أبو بكر يستأذن على النبي صلى الله عليه وسلم، فسمع عائشة وهي رافعة صوتها على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأذن له، فدخل، فقال: يا ابنة أم رومان وتناولها، أترفعين صوتك على رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال: فحال النبي صلى الله عليه وسلم، بينه وبينها، قال [ص:342]: فلما خرج أبو بكر جعل النبي صلى الله عليه وسلم، يقول لها يترضاها: «ألا ترين أني قد حلت بين الرجل وبينك» ، قال: ثم جاء أبو بكر، فاستأذن عليه، فوجده يضاحكها، قال: فأذن له، فدخل، فقال له أبو بكر: يا رسول الله أشركاني في سلمكما، كما أشركتماني في حربكما
الحَياةُ الزَّوجيَّةُ قائِمةٌ على الحَبِّ والسَّكينةِ والرَّحمةِ، وحُسنِ العِشرةِ، ولكِن أحيانًا قد يَحصُلُ بَينَ الرَّجُلِ وزَوجَتِه بَعضُ الخِصامِ والخِلافِ؛
فيَنبَغي عَليهما أن يَحرِصا على حَلِّ خِلافاتِهما بطُرُقٍ سَليمةٍ حتَّى تَستَمِرَّ العَلاقةُ ويَسودَ الحُبُّ والوِئامُ، وقد كان الخِلافُ والخِصامُ يَحصُلُ بَينَ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم وزَوجاتِه، وكان النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أحسَنَ النَّاسِ في تَعامُلِه مَعَ أهلِه في ذلك، وفي هذا الحَديثِ جانِبٌ من جَوانِبِ خُلُقِه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم مَعَ أهلِه، وذلك أنَّ أبا بكرٍ رَضِيَ اللهُ عنه جاءَ إلى بَيتِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، فاستَأذَنَ يُريدُ أن يَدخُلَ عِندَ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، وقَبل أن يَدخُلَ سَمِع عائِشةَ وهي رافِعةٌ صَوتَها على رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم! فلمَّا أذِنَ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم لأبي بكرٍ بالدُّخولِ، قال أبو بكرٍ لعائِشةَ: يا ابنةَ أمِّ رومانَ! وأمُّ رومانَ هي زَوجةُ أبي بكرٍ، ثمَّ تَناوَلَها، أي: أرادَ أن يَضرِبَها ويَلطِمَها حينَ رَفعَت صَوتَها على رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم! لكِنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم حالَ بَينَ أبي بكرٍ وبَينَ ابنَتِه عائِشةَ، ثمَّ لمَّا خَرَجَ أبو بكرٍ من عِندِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم وعائِشةَ جَعَل النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يَتَرَضَّى عائِشةَ ويَطلُبُ رِضاها ويَقولُ لها: ألَّا تَرَينَ أنِّي قد حُلتُ بَينَك وبَينَ والدِك؟! ولولا ذلك لكان أبو بكرٍ ضَرَبكِ، ثمَّ جاءَ أبو بكرٍ بَعدَ ذلك، واستَأذَنَ مَرَّةً أخرى، فوجَدَ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يُضاحِكُ عائِشةَ، فلمَّا رَأى ذلك أبو بكرٍ قال: يا رَسولَ اللهِ، أشرِكاني في سِلمِكُما كما أشرَكتُماني في حَربِكُما! أي: اجعَلاني أشارِكُكما في صُلحِكُما هذا كَما أشرَكتُماني في مُخاصَمَتِكُما السَّابقةِ
وفي الحَديثِ: مَشروعيَّةُ الاستِئذانِ عِندَ الدُّخولِ
وفيه أنَّ منَ الأدَبِ عدَمَ رَفعِ الصَّوتِ على رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم
وفيه مَشروعيَّةُ تَأديبِ الرَّجُلِ ابنَتَه بالضَّربِ وغَيرِه، وإن كانت مُزَوَّجةً
وفيه كَرَمُ أخلاقِه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم وحُسنُ مُعاشَرَتِه لزَوجاتِه؛ حَيثُ جَعَل يَتَرَضَّى عائِشةَ رَضِيَ اللهُ عنها