حديث حرملة العنبري
مستند احمد
حدثنا روح، حدثنا قرة بن خالد، عن ضرغامة بن عليبة بن حرملة العنبري، قال: حدثني أبي، عن أبيه قال: أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت: يا رسول الله، أوصني. قال: «اتق الله، وإذا كنت في مجلس فقمت منه فسمعتهم يقولون ما يعجبك، فأته، وإذا سمعتهم يقولون ما تكره، فاتركه»
كان الصَّحابةُ رَضِيَ اللهُ عنهم يُحِبُّونَ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم حُبًّا شديدًا، وكانوا يَحرِصونَ على مُجالَسَتِه ولقائِه والصَّلاةِ مَعَه؛ لِما يَرجونَ مِن بَرَكةِ تلك المَجالسِ مَعَه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، وقد كان بَعضُهم يَأتي للنَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم ويَطلُبُ مِنه الوصيَّةَ فيوصيه النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم بما يَنفعُه في أمرِ دينِه ودُنياه
ومِن ذلك أنَّ حَرمَلةَ العَنبَريَّ رَضِيَ اللهُ عنه جاءَ إلى النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم مَعَ رَكبٍ مِن قَومِه، كما في رِوايةٍ أُخرى، فصَلَّى مَعَ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم صَلاةَ الغَداةِ، أي: الفجرِ، فلَمَّا قَضى رَسولُ اللهِ الصَّلاةَ، نَظَرَ -أي: حَرمَلةُ، كما جاءَ ذلك موضَّحًا في رِوايةٍ أُخرى: فجَعَلتُ أنظُرُ إلى الذي إلى جَنبي، فما أكادُ أن أعرِفَه- في وُجوهِ القَومِ، ما كادَ يَستَبينُ، أي: يَتَّضِحُ وُجوهَهم بَعدَما قُضِيَت الصَّلاةُ؛ وذلك لأنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم كان يُصَلِّي الصُّبحَ بغَلَسٍ، أي: والظُّلمةُ ما زالَت باقيةً. يَقولُ حَرمَلةُ: فلَمَّا قَرُبتُ أرتَحِلُ، أي: أرادَ الرُّجوعَ إلى بَلَدِه، كما جاءَ ذلك موضَّحًا في رِوايةٍ أُخرى، طَلَب حَرمَلةُ مِنَ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أن يوصيَه. فقال رَسولُ اللهِ: عليك باتِّقاءِ اللهِ عَزَّ وجَلَّ، أي: اجعَلْ بَينَك وبَينَ مَحارِمِ اللهِ ونَواهيه وِقايةً، فتَبتَعِدُ عنها ولا تَقَعُ فيها، والوصيَّةُ بالتَّقوى أمرٌ عَظيمٌ، وقد كان النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم كَثيرًا ما يوصي أصحابَه بها، ثُمَّ أوصاه النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم بوصيَّةٍ أُخرى، فقال: وإذا قُمتَ مِن عِندِ القَومِ، أي: كُنتَ في مَجلسِهم، فسَمِعتَهم يَقولونَ لك ما يُعجِبُك فائْتِه، أي: فاحضُرْ مَجلِسَهم لِما فيه مِنَ الخَيرِ، وإن سَمِعتَهم يَقولونَ لك ما تَكرَهُ فاترُكْه، أي: فاترُكْ مَجلِسَهم واجتَنِبْهم. يَقولُ الرَّاوي، وهو ضِرغامةُ بنُ عُلَيبةَ: وكان لحَرمَلةَ ابنٌ بارٌّ به، اسمُه عُلَيبةُ. فسُئِلَ ضِرغامةُ: وما كان بِرُّه به؟ أي: كَيف كان برُّه بأبيه، فقال: كان عُلَيبةُ إذا كان في المَنزِلِ نَظَر أوطأَ مَوضِعٍ، أي: أحسَنَ مَكانٍ وأليَنَه، فأجلَسَ والدَه فيه، وكان يَنظُرُ أوفَرَ عَظمٍ، أي: فيه لَحمٌ، وأطيَبَه، فيُعطيه لوالدِه، وإذا كان في المَسيرِ، أي: في السَّفَرِ أوِ الطَّريقِ، نَظَر أوطأَ، أي: أحسَنَ وأفضَلَ، بَعيرٍ مِن رواحِلِه. والرَّاحِلةُ هيَ التي تُعَدُّ للسَّفَرِ، فحَمَلَ والِدَه عليه، فكان هذا بَرَّه به
وفي الحَديثِ حِرصُ الصَّحابةِ على الصَّلاةِ مَعَ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم
وفيه أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم كان يُصَلِّي الفجرَ بغَلَسٍ
وفيه طَلَبُ الوصيَّةِ مِن أهلِ الخَيرِ والصَّلاحِ
وفيه فَضلُ حَرمَلةَ العَنبَريِّ رَضِيَ اللهُ عنه
وفيه أهَمِّيَّةُ الوصيَّةِ بتَقوى اللهِ تعالى
وفيه الحَثُّ على مُجالَسةِ أهلِ الخَيرِ وتَركِ مُجالَسةِ أهلِ الشَّرِّ
وفيه فَضلُ عُلَيبةَ بنِ حَرمَلةَ وبَيانُ بِرِّه بأبيه