حديث خريم بن فاتك الأسدي 1
مستند احمد
حدثنا عبد الرحمن بن مهدي، حدثنا شيبان بن عبد الرحمن، عن الركين بن الربيع، عن أبيه، عن عمه فلان بن عميلة، عن خريم بن فاتك الأسدي، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " الناس أربعة، والأعمال ستة، فالناس موسع عليه في الدنيا والآخرة، وموسع له في الدنيا مقتور عليه في الآخرة، ومقتور عليه في الدنيا موسع عليه في الآخرة، وشقي في الدنيا والآخرة. والأعمال موجبتان، ومثل بمثل، وعشرة أضعاف، وسبع مائة ضعف. فالموجبتان: من مات مسلما مؤمنا لا يشرك بالله شيئا فوجبت له الجنة، ومن مات كافرا وجبت له النار، ومن هم بحسنة فلم يعملها، فعلم الله أنه قد أشعرها قلبه، وحرص عليها، كتبت له حسنة، ومن هم بسيئة لم تكتب عليه، ومن عملها كتبت واحدة ولم تضاعف عليه، ومن عمل حسنة كانت له بعشر أمثالها، ومن أنفق نفقة في سبيل الله كانت له بسبع مائة ضعف "
المؤمنُ يَحرِصُ على التَّقرُّبِ إلى اللهِ عزَّ وجَلَّ بالأَعْمالِ الصَّالحةِ الَّتي تَرفَعُ دَرجاتِه في الجنَّةِ، ويَحرِصُعلى البُعدِ عنِ المعاصي الَّتي تُكسِبُه السَّيِّئاتِ؛ فتُوجِبُ له النَّارَ
وفي هذا الحَديثِ يُخبِرُ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ أنَّ النَّاسَ على أربعةِ أصْنافٍ، وأنَّ الأعْمالَ ستَّةُ أنْواعٍ، منها «مُوجِبتانِ»؛
فإحداهُما تُوجِبُ الجنَّةَ
والثَّانيةُ تُوجِبُ النَّارَ
والثَّالثُ والرَّابعُ: «ومِثلٌ بِمِثلٍ»؛ أي: يُجازَى فاعلُهُما بالمِثلِ، مِن غَيرِ تَضعيفٍ
والنَّوعُ الخامسُ: أنَّ الحَسَنةَ الواحدةَ فيه تُضاعَفُ إلى عشْرِ أمْثالِها
والنَّوعُ السَّادسُ: أنَّ الحَسَنةَ فيه تُضاعَفُ إلى سَبْعِ مِائةِ ضِعْفٍ
ثُمَّ فصَّلَ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ أوَّلًا أصْنافَ النَّاسِ؛
فقال في الصِّنْفِ الأوَّلِ: «مُوسَّعٌعليه في الدُّنْيا والآخِرةِ»؛ وهُمُ الأغْنياءُ الشَّاكِرونَ الصَّالِحونَ الَّذينَ يُؤدُّونَ حُقوقَ اللهِ، وزَكاةَ أمْوالِهِم، ويُطعِمونَ الفَقيرَ، ويُنفِقونَ في سَبيلِ اللهِ
والصِّنْفُ الثَّاني: «مُوسَّعٌ عليه في الدُّنْيا، مَقتورٌ عليه في الآخِرةِ»؛ وهُمُ الَّذينَ اغتَرُّوا بالدُّنْيا وزُخْرُفِها، وشُغِلوا بها عنِ الآخِرةِ، كالكُفَّارِ، والفَسَقةِ
والصِّنْفُ الثَّالثُ: «مَقتورٌ عليه في الدُّنْيا، مُوسَّعٌ عليه في الآخِرةِ»؛ وهُمُ الصَّالِحونَ الفُقَراءُ في الدُّنْيا، الصَّابِرونَ على تَحمُّلِ الفَقْرِ، يُوسِّعُ اللهُ عليهم في الآخِرةِ؛ حتَّى يَصيروا أغْنياءَ فيها
والصِّنْفُ الرَّابعُ: «شَقِيٌّ في الدُّنْيا وشَقِيٌّ في الآخِرةِ»؛ وهُم فُقَراءُ الكُفَّارِ وفُقَراءُ المسلِمينَ السَّاخِطونَ العُصاةُ، كلٌّ على قَدْرِ حالِهِ
ثُمَّ بيَّنَ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ ثانيًا أنواعَ الأعمالِ، فقال:«والمُوجِبتانِ: مَن قالَ: لا إلَهَ إلَّا اللهُ-أو قال: مُؤمنًا باللهِ- دخَلَ الجنَّةَ»؛ فالتَّوحيدُ سبَبٌ يُوجِبُ لصاحِبِه الجنَّةَ، «ومَن ماتَ وهو يُشرِكُ باللهِ دخَلَ النَّارَ»؛ فالشِّركُ يُوجِبُ لصاحِبِه النَّارَ، كما قالَ اللهُ تَعالَى: {إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ} [الماءدة:72]، «ومَن هَمَّ بحَسَنةٍ فعمِلَها»؛ أي: فمَن نوَى حَسَنةً، وأراد أنْ يَفعَلَها، ثُمَّ عمِلَها، ضاعَفَها اللهُ إلى عشْرِ حَسَناتٍ، «ومَن هَمَّ بحَسَنةٍ فلم يَعمَلْها»؛ أي: عَزَمَ على فِعلِها، ولمْ يَفعَلْها، فعَلِمَ اللهُ أنَّه قدْ أشْعَرَها قَلْبَه، وحرَصَ عليها؛ لكنَّه لمْ يَعمَلْها لمانعٍ أو لغَيرِ مانعٍ، كتَبَها اللهُ عندَه حَسَنةً كاملةً، «ومَن هَمَّ بسَيِّئةٍ فلمْ يَعمَلْها كُتِبتْ له حَسَنةٌ»؛ وهذا مِن لُطْفِ اللهِ عزَّ وجَلَّ بعِبادِه، وأمَّا مَن عمِلَها كُتِبتْ له واحدةً دونَ زِيادةٍ أو مُضاعَفةٍ، كما في الحَسَناتِ، وهذا مِن كرَمِ اللهِ وفضْلِه على عِبادِه
ثُمَّ أخبَرَ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ أنَّ مَن بذَلَ وأخرَجَ مِن مالِهِ في طَريقٍ مِن طُرقِ الخَيرِ الَّتي أمَرَ بها اللهُ قاصدًا بها وَجْهَ اللهِ عزَّ وجَلَّ، «فبسَبْعِ مائةِ ضِعْفٍ»؛ أي: ضُوعِفَ له في الأجْرِ بِمِثلِ هذا المِقْدارِ. وقيلَ: هذا ثَوابُ ذلكَ الفِعلِ، واللهُ يُضاعِفُ لِمَن يَشاءُ أكثَرَ مِن ذلكَ
وفي الحَديثِ: بَيانُ سَعةِ فضْلِ اللهِ على هذه الأُمَّةِ؛ إذ لولا ذلكَ كاد لا يَدخُلُ أحَدٌ الجنَّةَ؛ لأنَّ عمَلَ العبادِ للسَّيِّئاتِ أكثَرُ مِن عمَلِهم للحَسَناتِ