حديث رديف النبي صلى الله عليه وسلم1
مسند احمد
حدثنا عفان، حدثنا شعبة، عن عاصم الأحول، عن أبي تميمة، عن رديف النبي صلى الله عليه وسلم، أو عن رجل، عن ردف (1) النبي صلى الله عليه وسلم، أنه كان على حمار فعثر، فقال الذي خلفه: تعس الشيطان، فقال: " لا تقل: تعس الشيطان، فإنك إذا قلت: تعس الشيطان، تعاظم، وقال: بعزتي صرعتك، وإذا قلت: بسم الله، تصاغر، حتى يصير مثل ذباب "
النبيُّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم علَّمَه ربُّه فأحسَن تعليمَه، وأدَّبه فأحسَن تأديبَه، وأَمَره أن يُعلِّمَ أمَّتَه ذلك، فعَلَّمَنا وأدَّبَنا في أفعالِنا وأقوالِنا.
وفي هذا الحديثِ يَرْوي أبو المَلِيحِ عن رجُلٍ مِن أصحابِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم، أنَّه قال: "كنتُ رَديفَ النَّبيِّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم"، أي: راكِبًا خلفَه على الدابَّةِ، "فعَثَرَتْ دابَّةٌ"، أي: خرَّت وسقَطَت, فقلتُ: "تَعِسَ الشَّيطانُ"، أي: شَقِيَ وهَلَك, "فقال" رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم: "لا تَقُلْ: تَعِس الشَّيطانُ؛ فإنَّك إذا قلتَ ذلك"، أي: هذا الكَلامَ، "تَعاظمَ"، أي: يَتضخَّمُ الشَّيطانُ ويَصِيرُ كبيرًا عَظيمًا؛ لِظَنِّه أنَّ له دَخلًا وتصرُّفًا في هذا الأمرِ، "حتَّى يَكونَ مِثلَ البَيتِ"؛ في كِبَرِه وضَخامتِه، ويَقولُ: "بقُوَّتي"، أي: حدَث ذلك الأمرُ بقوَّتي، ولكنْ قُلْ: "بِسمِ اللهِ"، أي: بأمرِ اللهِ وقَدَرِه حدَث ذلك؛ وبالاستعانةِ به يزولُ الخَطرُ والشرُّ فإنَّك إذا قلتَ ذلك "تَصاغَر"، أي: صار حقيرًا ذليلًا، حتَّى يكونَ "مِثلَ الذُّبابِ" في حَجمِه وحَقارتِه.
قيل: ويَحتمِلُ أنْ يَكونَ تَعاظُمُ الشَّيطانِ وتَصاغرُه بالحَجمِ على حقيقتِه فيَكبُر في حَجمُه، ويَصغُر، ويَحتمِلُ أنْ يَكونَ تعاظُمه كِنايةً عن فَرحِه ونَخوتِه، ويكون تصاغُرُه كِنايةً عن ذُلِّه وقَهْرِه وخِزيِه بعدَ أنْ ذَكرَ العبدُ اللهَ ربَّه سُبحانَه وتعالَى. وقيل معنى تَصاغُره: خَشيتُه مِن الله؛ لمعرفتِه بقَدْرِ نفْسِه في هذا الموضِعِ.
وفي الحَديثِ: الحثُّ على ذِكرِ الله تعالى والاستعانةِ به في كُلِّ الأمورِ.
وفيه: أنَّ النَّفعَ والضُّرَّ بيدِ اللهِ سُبحانَه، وأنَّ الشيطانَ أضعفُ مَن أنْ يَضُرَّ أحدًا وأنَّ كَيدَ الشيطانِ لأولياءِ الرَّحمنِ ضَعيفٌ.
وفيه: الانتباهُ للألفاظِ المُشتهِرَةِ على الألْسِنة والتوجيهُ لأَحسنِ الألفاظِ.