حديث عبد الله بن أبي أوفى 7
مستند احمد
حدثنا إسماعيل، أخبرنا ليث، عن مدرك، عن عبد الله بن أبي أوفى، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يدعو فيقول: «اللهم طهرني بالثلج والبرد والماء البارد، اللهم طهر قلبي من الخطايا كما طهرت الثوب الأبيض من الدنس، وباعد بيني وبين ذنوبي كما باعدت بين المشرق والمغرب، اللهم إني أعوذ بك من قلب لا يخشع، ومن نفس لا تشبع، ودعاء لا يسمع، وعلم لا ينفع، اللهم إني أعوذ بك من هؤلاء الأربع، اللهم إني أسألك عيشة تقية، وميتة سوية، ومردا غير مخز»
الدُّعاءُ سِلاحُ المُؤمنِ، وهو من العِباداتِ الجَليلةِ والعَظيمةِ، وقد جاءَت النُّصوصُ الكَثيرةُ من الكِتابِ والسُّنَّةِ على أهَمِّيَّةِ الدُّعاءِ وفوائِدِه، وما لصاحِبِه من الأجرِ العَظيمِ، وكان النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يَدعو بالكَلِماتِ الجامِعةِ لمَعاني الدُّعاءِ؛
ولهذا يُشرَعُ أن يَكونَ الدُّعاءُ بكَلِماتٍ جامِعاتٍ شامِلةٍ لخَيرَيِ الدُّنيا والآخِرةِ، فيَدعو الشَّخصُ بالدُّعاءِ المَأثورِ عنِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، ومِمَّا جاءَ مِن دُعائِه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أنَّه كان يَدعو ويَقولُ: اللَّهُمَّ طَهِّرني، أي: نَقِّني، مِنَ الذُّنوبِ والخَطايا بالثَّلجِ والبَرَدِ، وهو الماءُ المُتَجَمِّدُ الذي يَنزِلُ مِنَ السَّماءِ يُشبِهُ الحَصى، والماءِ البارِدِ، لَعَلَّه يُريدُ ماءَ الثَّلجِ بَعدَ ذَوبانِه، والحِكمةُ مِنَ العُدولِ عنِ الماءِ الحارِّ إلى الثَّلجِ والبَرَدِ مَعَ أنَّ الحارَّ في العادةِ أبلَغُ في إزالةِ الوَسَخِ: الإشارةُ إلى أنَّ الثَّلجَ والبَرَدَ ماءانِ طاهرانِ لَم تَمَسَّهما الأيدي ولَم يَمتَهِنْهما الاستِعمالُ؛ فكان ذِكرُهما آكَدَ في هذا المَقامِ، وقيلَ: لمَّا كان للذُّنوبِ حَرارةٌ ناسَبَ أن تَكونَ المادَّةُ المُزيلةُ هيَ البارِدةَ؛ لتُطفِئَ هذه الحَرارةَ وذاكَ التَّلَهُّبَ. اللَّهُمَّ طَهِّرْ قَلبي مِنَ الخَطايا، أي: أزِلْ مِن قَلبي الخَطايا، وخُصَّ القَلبُ بالذِّكرِ في هذه الجُملةِ؛ لأنَّه مَحَلُّ الإيمانِ ومَلِكُ الأعضاءِ واستِقامَتُها باستِقامَتِه، كما طَهَّرتَ الثَّوبَ الأبيَضَ مِنَ الدَّنَسِ، أي: كما أزَلتَ ونَقَّيتَ الثَّوبَ الأبيَضَ مِنَ الوسَخِ إذا أصابَه، وخُصَّ الثَّوبُ الأبيَضُ؛ لأنَّ ظُهورَ الدَّنَسِ فيه أظهَرُ مِن ظُهورِه في غَيرِه، وباعِدْ بَيني وبَينَ ذُنوبي كما باعَدتَ بَينَ المَشرِقِ والمَغرِبِ، أي: مَشرِقِ الشَّمسِ ومَغرِبِها، والغَرَضُ إبعادُ الذُّنوبِ عنه والحَيلولةُ بَينَه وبَينَها بالكُلِّيَّةِ، اللَّهُمَّ إنِّي أعوذُ بك، أي: أعتَصِمُ وألتَجِئُ مِن قَلبٍ لا يَخشَعُ، أي: قَلبٍ قاسٍ بَعيدٍ عن ذِكرِ اللهِ وخَوفِه وسَماعِ كَلامِه، ومِن نَفسٍ لا تَشبَعُ، أي: لا تَشبَعُ مِنَ الدُّنيا لكَثرةِ حِرصِها عليها وعَلى جَمعِ المالِ، أو لا تَشبَعُ مِن كَثرةِ الأكلِ الجالبةِ لكَثرةِ النَّومِ المُؤَدِّيةِ إلى فَقرِ الدُّنيا، ودُعاءٍ لا يُسمَعُ، أي: لا يُستَجابُ ولا يُعتَدُّ به، فكَأنَّه غَيرُ مَسموعٍ، وعِلمٍ لا يَنفَعُ، وهو الذي لا يَعمَلُ به صاحِبُه، اللَّهُمَّ إنِّي أعوذُ بك مِن هؤلاء الأربَعِ. وهذا إجمالٌ مِنه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم بَعدَ التَّفصيلِ السَّابقِ للتَّأكيدِ، اللَّهُمَّ إنِّي أسألُك، أي: أطلُبُ مِنك، عيشةً تَقيَّةً، أي: زَكيَّةً راضيةً مَرضيَّةً، وقيلَ: خاليةً مِنَ الأكدار والمَصائِبِ، ومِيتةً، وهيَ حالةُ المَوتِ، سَويَّةً، أي: مُعتَدِلةً، فلا أُرَدُّ إلى أرذَلِ العُمرِ، ولا أُقاسي مَشاقَّ الهَرَمِ، وتَكونُ بحُسنِ خاتِمةٍ، ومَرَدًّا غَيرَ مُخزٍ، أي: مَرجِعًا إلى الآخِرةِ سالِمًا مِنَ الذُّلِّ والعَذابِ والهَوانِ
وفي الحَديثِ مَشروعيَّةُ الدُّعاءِ بهذا الدُّعاءِ
وفيه بَيانُ ما كان عليه النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم مِن كَثرةِ الدُّعاءِ والإلحاحِ فيه
وفيه خُطورةُ الذُّنوبِ على القُلوبِ
وفيه مَشروعيَّةُ السَّجعِ في الدُّعاءِ إذا كان بدونِ تَكَلُّفٍ
وفيه إثباتُ اليَومِ الآخِرِ