حديث عقبة بن عامر الجهني عن النبي صلى الله عليه وسلم 38

مستند احمد

حديث عقبة بن عامر الجهني عن النبي صلى الله عليه وسلم 38

حدثنا أبو المغيرة، حدثنا معان بن رفاعة، حدثني علي بن يزيد، عن القاسم، عن أبي أمامة الباهلي، عن عقبة بن عامر، قال: لقيت رسول الله صلى الله عليه وسلم، فابتدأته فأخذت بيده، قال: فقلت: يا رسول الله، ما نجاة المؤمن؟ قال: «يا عقبة، احرس لسانك، وليسعك بيتك، وابك على خطيئتك»قال: ثم لقيني رسول الله صلى الله عليه وسلم، فابتدأني فأخذ بيدي، فقال: «يا عقبة بن عامر، ألا أعلمك خير ثلاث سور أنزلت في التوراة والإنجيل والزبور والفرقان العظيم؟» قال: قلت: بلى، جعلني [ص:570] الله فداك. قال: فأقرأني قل هو الله أحد وقل أعوذ برب الفلق وقل أعوذ برب الناس ثم قال: «يا عقبة، لا تنساهن، ولا تبت ليلة حتى تقرأهن» قال: " فما نسيتهن قط منذ قال: لا تنساهن، وما بت ليلة قط حتى أقرأهن "قال عقبة: ثم لقيت رسول الله صلى الله عليه وسلم، فابتدأته فأخذت بيده فقلت: يا رسول الله، أخبرني بفواضل الأعمال. فقال: «يا عقبة، صل من قطعك، وأعط من حرمك، وأعرض عمن ظلمك»

كان الصَّحابةُ رَضيَ اللهُ عنهم يَحرِصونَ حِرصًا شَديدًا على النَّجاةِ في الدُّنيا والآخِرةِ، فكانوا يَسألونَ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ عن أسبابِ النَّجاةِ والفَلاحِ في الدُّنيا والآخِرةِ، وكانَ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ يُرشِدُهم ويَدُلُّهم إلى طَريقِ الخَيرِ والنَّجاةِ

وفي هذا الحَديثِ يَقولُ عُقبةُ بنُ عامِرٍ رَضيَ اللهُ عنه: "لَقيتُ رَسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ" في الطَّريقِ "فابتَدأْتُه فأخَذتُ بيَدِه" لِلتَّسليمِ والتَّرحيبِ، والإمساكُ بيَدِه إجلالٌ له، "فقُلتُ: يا رَسولَ اللهِ، ما نَجاةُ المُؤمِنِ؟" ما أسبابُ النَّجاةِ والفَلاحِ في الدُّنيا والآخِرةِ، وكيف يَحصُلُ عليهما المُؤمِنُ ويَنجو بنَفْسِه؟ "قال: يا عُقبةُ، احرُسْ لِسانَكَ" كُفَّ لِسانَكَ واحبِسْه واحفَظْه عن قَولِ كُلِّ شَرٍّ، ولا تَنطِقْ إلَّا بخَيرٍ، وقد قال اللهُ تَعالى: {مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ} [ق: 18]؛ وذلك لِمَا لِلِّسانِ مِن خُطورةٍ، "وليَسَعْكَ بَيتُكَ" وليَكُنْ في بَيتِكَ سِعَتُكَ، والزَمْ بَيتَكَ لِتَعبُدَ اللهَ في الخَلَواتِ، واشتَغِلْ بطاعةِ اللهِ عَزَّ وجَلَّ، واعتَزِلْ في بَيتِكَ عنِ الفِتَنِ، وقيلَ إنَّ مَعناه: ارْضَ بما قَسَمَ اللهُ لكَ مِنَ الزَّوجةِ والوَلَدِ والرِّزقِ والسَّكَنِ وغَيرِ ذلك مِن مَتاعِ الدُّنيا، وانظُرْ إلى مَن هو أعلى مِنكَ في أمْرِ الدِّينِ، وإلى مَن هو أدْنى منكَ في أمْرِ الدُّنيا؛ لِئَلَّا تَزدَريَ نِعمةَ اللهِ عليكَ، فهذا أسلَمُ لكَ. "وابْكِ على خَطيئَتِكَ" واندَمْ على ما ارتَكَبتَ مِن ذُنوبٍ، وابْكِ بُكاءً حَقيقيًّا؛ تَصديقًا لِتَوبَتِكَ وإنابَتِكَ، ثم اشتَغِلْ بإصلاحِ نَفْسِكَ وتَهذيبِها. قال عُقبةُ بنُ عامِرٍ رَضيَ اللهُ عنه: "ثم لَقيَني رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ فابتَدَأني، فأخَذَ بيَدي" وأمسَكَ بها، وهذا مِن حُسنِ صُحبةِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ مع أصحابِه، وحُسنِ عِشرَتِه لهم، وتَعليمِهم أُسَسَ التَّعامُلِ، "فقال: يا عُقبةُ بنَ عامِرٍ، ألَا أُعلِّمُكَ خَيرَ ثَلاثِ سُوَرٍ أُنزِلتْ في التَّوراةِ" كِتابِ موسى عليه السَّلامُ "والإنجيلِ" كِتابِ عيسى عليه السَّلامُ "والزَّبورِ" كِتابِ دَاودَ عليه السَّلامُ "والفُرقانِ العَظيمِ؟" وهو القُرآنُ الكَريمُ، ويَقصِدُ أنَّ هذه السُّوَرَ هي أفضَلُ السُّوَرِ في بابِ التَّوحيدِ والتَّعوُّذِ باللهِ والتَّحصُّنِ مِن كُلِّ شَرٍّ، "قال: قُلتُ: بلى" وهذا مِن حُسنِ القَبولِ لِلخَيرِ "جَعَلَني اللهُ فِداكَ" وهذا دُعاءٌ لِلنَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ بطُولِ العُمُرِ، وأنَّه يَفديه بنَفْسِه إنْ حَصَلَ لِلنَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ أذًى، قال عُقبةُ رَضيَ اللهُ عنه: "فأقرَأني: {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ}، و{قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ}، و{قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ}" وفيها تَوحيدُ اللهِ عنِ الشَّريكِ والوالِدِ والوَلَدِ، وأنَّه الذي يَتوَجَّهُ إليه الناسُ في الدُّعاءِ، وفي المُعوِّذتيْنِ ذِكرُ التَّعوُّذِ والالتِجاءِ وطَلَبِ الحِمايةِ مِنَ اللهِ رَبِّ الخَلقِ، ورَبِّ الناسِ، وقدِ استَعاذَ بهما النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ ورَقى نَفْسَه. "ثم قال: يا عُقبةُ، لا تَنساهُنَّ، ولا تَبِتْ لَيلةً حتى تَقرأهُنَّ" تَحصينًا لِنَفسِكَ مِن شَرٍّ وسِحرٍ وعَينٍ، وتَذكيرًا لِنَفسِكَ بتَوحيدِ اللهِ "قال: فما نَسيتُهُنَّ قَطُّ مُنذُ قال: لا تَنساهُنَّ. وما بِتُّ لَيلةً قَطُّ حتى أقرأهُنَّ"، وهذا مِن حُسنِ الاستِجابةِ لِأمْرِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ. ثم قال عُقبةُ رَضيَ اللهُ عنه: "ثم لَقيتُ رَسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، فابتَدأتُه فأخَذتُ بيَدِه، فقُلتُ: يا رَسولَ اللهِ، أخبِرْني بفَواضِلِ الأعمالِ" وهي الأعمالُ التي لها فَضلٌ على ما سِواها "فقال: يا عُقبةُ، صِلْ مَن قَطَعكَ"، اي: أحسِنْ إلى مَن هَجَروكَ، وارفُقْ بهم، وداوِمْ على الاتِّصالِ بهم، "وأعْطِ مَن حَرَمكَ" بأنْ تتَفضَّلَ بالعَطاءِ والنَّفَقةِ على مَن لم يُعطِكَ قَبلَ ذلك، "وأعرِضْ عَمَّن ظَلَمكَ"، أي: اعْفُ عن كُلِّ مَن أوقَعَ الظُّلمَ عليكَ وأنتَ قادِرٌ على الاقتِصاصِ منه، وهذا مِنَ التَّربيةِ النَّبويَّةِ بعَدَمِ مُقابَلةِ الإساءةِ بالمِثلِ، بل مَن أرادَ التَّودُّدَ لِلبَشَرِ فليَعفُ وليَصفَحْ، وليُقابِلِ الإساءةَ بنَقيضِها مِنَ الإحسانِ

 وفي الحَديثِ: فَضلُ سُورِ الإخلاصِ والفَلَقِ والناسِ

 وفيه: بيانُ حُسنِ تَربيةِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ لِأصحابِه على الإحسانِ وحُسنِ الخُلُقِ وعَدَمِ مُقابَلةِ السَّيِّئةِ بالسَّيِّئةِ

وفيه: عظيمُ استِجابةِ الصحابةِ لأوامرِ النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّمَ، والثباتِ عليها