حديث عمرو بن عبسة 1
مستند احمد
حدثنا سريج بن النعمان، حدثنا نوح بن قيس، عن أشعث بن جابر الحداني، عن مكحول، عن عمرو بن عبسة قال: جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم شيخ كبير يدعم على عصا له، فقال: يا رسول الله، إن لي غدرات وفجرات، فهل يغفر لي؟ قال: «ألست تشهد أن لا إله إلا الله؟» قال: بلى، وأشهد أنك رسول الله، قال: «قد غفر لك غدراتك وفجراتك»
مِن عَظيمِ فَضلِ اللهِ تعالى على عِبادِه أنَّه يَغفِرُ لَهمُ الذُّنوبَ مَهما أذنَبوا إذا رَجَعوا إلَيه وتابوا، فمِن أسمائِه سُبحانَه الغَفورُ
وقد قال تعالى: {وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا ثُمَّ اهْتَدَى} [طه: 82]، فعَلى العَبدِ ألَّا يَيأسَ مِن رَحمةِ اللهِ تعالى مَهما عَمِلَ، والكافِرُ إذا أسلَمَ غُفِرَ له ما سَبَقَ، فالإسلامُ يَهدِمُ ما كان قَبلَه، والمُؤمِنُ إذا أذنَبَ ثُمَّ تابَ غُفِرَ له ما سَبَقَ، فالتَّوبةُ تَهدِمُ ما كان قَبلَها، وقد جاءَ رَجُلٌ إلى رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، فقال: يا رَسولَ اللهِ، أرَأيتَ رَجُلًا عَمِلَ الذُّنوبَ كُلَّها فلَم يُترَكْ مِنها شَيئًا، وهو مَعَ ذلك لَم يَترُكْ حاجةً ولا داجةً إلَّا أتاها! والحاجةُ: ما صَغُرَ مِنَ الحَوائِجِ، والدَّاجةُ: الحاجةُ الكَبيرةُ، وقيلَ: الحاجةُ: الذي يَقطَعُ الطَّريقَ على الحاجِّ إذا ذَهَبوا، والدَّاجةُ: الذي يَقطَعُ عليهمُ الطَّريقَ إذا رَجَعوا. والمَعنى: أنَّه لَم يَدَعْ شَيئًا دَعَته نَفسُه إلَيه مِنَ المَعاصي إلَّا رَكبَه، فهَل لذلك مِن تَوبةٍ؟! فقال رَسولُ اللهِ: أليس قد أسلَمتَ، أي: هَل أسلَمتَ. فقال الرَّجُلُ: أمَّا أنا فأشهَدُ أنْ لا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَحدَه لا شَريكَ له وأنَّ مُحَمَّدًا رَسولُ اللهِ. فقال رَسولُ اللهِ: نَعَمْ؛ وذلك لأنَّ الإسلامَ يَهدِمُ ما قَبلَه. تَفعَلُ الخَيراتِ، أي: تَعمَلُ الصَّالحاتِ، وتَترُكُ السَّيِّئاتِ، أي: تَجتَنِبُ المَعاصيَ حَتَّى يُبَدِّلَ اللهُ السَّيِّئاتِ حَسَناتٍ كُلَّهنَّ. كما قال تعالى: {إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا} [الفرقان:70]، فقال الرَّجُل: وغَدَراتي، أي: أفعالي الذَّميمةَ التي نَقَضتُ فيها العَهدَ، وفَجَراتي، أي: ارتِكابي المَعاصيَ وفِعلَ الموبِقاتِ! والفاجِرُ: هو المُنبَعِثُ في المَحارِمِ والمَعاصي. فقال رَسولُ اللهِ: نَعَمْ، أي: حَتَّى غَدَراتُك وفَجَراتُك إذا تُبتَ تابَ اللهُ عليك. ففرِحَ الرَّجُلُ بذلك فرحًا شديدًا، وقال: اللهُ أكبَرُ، وظَلَّ يُكَبِّرُ حَتَّى تَوارى، أي: بَعُدَ واختَفى عن أعيُنِ النَّاظِرينَ
وفي الحَديثِ فَضلُ الإسلامِ
وفيه سَعةُ مَغفِرةِ اللهِ ورَحمَتِه
وفيه التَّرغيبُ في التَّوبةِ
وفيه أنَّ التَّوبةَ أوَّلُ أبوابِ البرِّ
وفيه أنَّ الكافِرَ إذا أسلَمَ، وحَسُنَ إسلامُه، تَبَدَّلَت سَيِّئاتُه في الشِّركِ حَسَناتٍ
وفيه مَشروعيَّةُ التَّكبيرِ عِندَ الأُمورِ العَظيمةِ
وفيه فرَحُ العَبدِ بفَضلِ اللهِ تعالى عليه