ذكر العلة التي من أجلها نهى عن الخليطين، وهي ليقوى أحدهما على صاحبه 3
سنن النسائي
أخبرنا سويد، قال: أنبأنا عبد الله، عن سعيد بن أبي عروبة، قال قتادة: «كان أنس يأمر بالتذنوب فيقرض»
لقدْ وضَع الإسلامُ الحدودَ الواضِحةَ بينَ الحلالِ والحرامِ، وقد أوضَح النَّبيُّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم أنَّ سبَبَ تَحريمِه لبعضِ الأشياءِ قدْ يكونُ بسبَبِ مَآلاتِ الأمورِ معَها، ولا يكونُ التَّحريمُ لذاتِ الشَّيءِ وإنْ كان حَلالًا في بعضِ الحالاتِ الأخرى
وفي هذا الحديثِ يقولُ أنَسُ بنُ مالكٍ رضِيَ اللهُ عنه: "نَهى رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم أن نَجمَعَ شَيئين نَبيذًا"، أي: نهى عن خَلْطِ نوعَيْن مِن الثِّمارِ الَّتي تُنقَعُ وتُترَكُ في الماءِ حتَّى يَحْلُوَ ثمَّ تُشرَبُ، والنَّهيُ عن خَلطِهما في إناءٍ واحدٍ؛ حتَّى لا "يَبْغي أحدُهما على صاحبِه"، مِن البَغيِ: وهو الخروجُ ومُجاوَزةُ الحدِّ، والمرادُ اشتِدادُ أحَدِ الصِّنفَينِ على الآخَرِ في الإسراعِ بالتَّخمُّرِ والإسكارِ؛ فكان النَّهيُ عن الجمعِ بين الصِّنفَينِ لأجلِ الشِّدَّةِ الَّتي تَحصُلُ باجتِماعِهما فيُسرِعُ الإسكارُ، فيَشرَبُه صاحبُه بدونِ عِلمٍ، فيَقَعُ في السُّكْرِ
قال المختارُ بنُ فُلْفُلٍ- راوي الحديثِ عن أنسٍ-: "وسألتُه"، أي: سألتُ أنَسًا "عن الفَضيخِ؟"، أي: عن حُكمِ شُربِه، وهو شَرابٌ يُتَّخَذُ مِن البلحِ البُسْرِ الَّذي لم يَنضَجْ، فيُفضَخُ: أي يُشَقُّ نِصفَين ويُكسَرُ ثمَّ يُنقَعُ في الماءِ ثمَّ يُشرَبُ، "فنَهاني عنه"؛ لأنَّه ممَّا يُسكِرُ، قال المختارُ: "كان"، أي: أنَسٌ "يَكْرَهُ الْمُذنَّبَ مِن البُسْرِ"، وهو البلَحُ الَّذي نِصْفُه قد طاب ونَضِج، والنِّصفُ الآخرُ غيرُ ناضجٍ، وظهَر فيه الإرطابُ والنُّضجُ في ذَنَبِ البَلحةِ وآخِرِها، ويُقالُ له: التَّذْنوبُ، والمرادُ أنَّه كان يَكرَهُ نَقْعَ هذا النَّوعِ وانتِباذَه؛ "مَخافةَ أن يَكونَ شيئَينِ"، أي: لأجلِ خوفِه مِن أن يَكونَ داخِلًا في النَّهيِ عن الجمعِ بين الصِّنفَينِ: البُسْرِ والرُّطَبِ "فكُنَّا نَقطَعُه"، أي: نَقطَعُ ذلك الذَّنَبَ الَّذي طاب ونَضِج ونَفصِلُه عن النِّصفِ الآخَرِ الَّذي لا يَزالُ بُسْرًا غيرَ ناضجٍ. وفي روايةٍ أخرى للنَّسائيِّ: "كان أنَسٌ يأمُرُ بالتَّذنوبِ، فيُقرَضُ"، أي: يُقطَعُ ويُفصَلُ عن نصفِه الآخَرِ، وهو بمعنى الرِّوايةِ الثَّالثةِ عن أنسٍ أيضًا: "أنَّه كان لا يدَعُ شيئًا قد أرْطَب إلَّا عزَلَه عن فَضيخِه"، وقد ورَد عند النَّسائيِّ أيضًا، أنَّ النَّبيَّ صلَّى الله عليه وسلَّم نَهى أيضًا "عن البُسْرِ والتَّمرِ أن يُخلَطَا، وعن الزَّبيبِ والتَّمرِ أن يُخلَطَا"، والعِلَّةُ ليسَت في الانتِباذِ والنَّقْعِ نفْسِه، ولا في الآنيَةِ الَّتي تُنقَعُ فيها، وإنَّما في الإسراعِ في السُّكْرِ، فإذا أَمِن الإنسانُ هذه الحالةَ فإنَّه يُنتبَذُ ويُشرَبُ مِن هذا النَّبيذِ
وفي الحديثِ: التَّورُّعُ والخوفُ عندَ اشتِباهِ الحلالِ بالحرامِ
وفيه: النَّهيُ عن نَقْعِ شيئَينِ وتَرْكِهما حتَّى يَشتَدَّ إسكارُهما