فضائل أبي بكر الصديق رضي الله عنه 5
سنن ابن ماجة
حدثنا علي بن محمد، حدثنا يحيى بن آدم، حدثنا ابن المبارك، عن عمر بن أبي حسين، عن ابن أبي مليكة، قال:
سمعت ابن عباس يقول: لما وضع عمر على سريره اكتنفه الناس يدعون ويصلون، أو قال: يثنون ويصلون عليه، قبل أن يرفع،وأنا فيهم، فلم يرعني إلا رجل قد زحمني، وأخذ بمنكبي، فالتفت، فإذا علي بن أبي طالب، فترحم على عمر، ثم قال: ما خلفت أحدا أحب إلي أن ألقى الله بمثل عمله منك، وايم الله، إن كنت لأظن ليجعلنك الله عز وجل مع صاحبيك، وذلك أني كنت أكثر أن أسمع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "ذهبت أنا وأبو بكر وعمر" و"دخلت أنا وأبو بكر وعمر" و"خرجت أنا وأبو بكر وعمر"، فكنت أظن ليجعلنك الله مع صاحبيك (1).
كان صحابةُ النَّبيِّ- رِضوانُ اللهِ عليهم- مِثالًا حيًّا في التَّآخي والتَّوادِّ والمحبَّةِ، وفي هذا الأثرِ يَحكي عبدُ اللهِ بنُ عبَّاسٍ رضِيَ اللهُ عنهما، أنَّه: "لَمَّا وُضِعَ عمَرُ على سَريرِه"، أي: لَمَّا مات وأَرادُوا تَجْهيزَه للدَّفنِ ووُضِعَ على النَّعشِ، "فتكَنَّفَه النَّاسُ"، أي: أحاطوا به مِن جميعِ جَوانِبِه، والأكنافُ: النَّواحي، "يدْعُونَ ويُصَلُّونَ قبْلَ أنْ يُرْفَعَ"، أي: يَترحَّمونَ عليه قبْلَ أنْ يُوارَى، قال ابنُ عبَّاسٍ رضِيَ اللهُ عنهما: "وأنا فيهم، فلم يَرُعْنِي"، أي: لم يفْزَعْني في هَيبةِ المشهَدِ والموقِفِ، "إلَّا رجُلٌ آخِذٌ مِنْكَبي، فإذا عليُّ بنُ أبي طالبٍ، فترحَّمَ على عُمَرَ"، أي: دعا له بالرَّحمةِ، أي: دعا لعُمرَ بالرَّحمةِ، وقال مخاطبًا إيَّاه: ما خلَّفْتُ أحدًا أحبَّ إليَّ أنْ ألْقى اللهَ بمثْلِ عمَلِه منك"، وفي هذا إشارةٌ إلى أنَّ عليًّا كان لا يَعتقِدُ أنَّ لأحدٍ عملًا في ذلك الوقْتِ أفضَلَ من عمَلِ عُمَرَ، ثم قال عليٌّ: "وايْمُ اللهِ"، أي: أُقْسِمُ بأيمانِ اللهِ وعُهودِه ومواثيقِه، "إنْ كنْتُ لأظُنُّ أنْ يجعَلَك اللهُ مع صاحِبَيْك" وهذا يَحْتَمِلُ أنْ يُريدَ: ما وقَعَ، وهو دَفْنُه عندهما، ويَحْتَمِلُ أنْ يُريدَ بالمعيَّةِ: ما يَؤُولُ إليه الأمْرُ بعدَ الموتِ مِن دُخولِ الجنَّةِ، ونحو ذلك، والمُرادُ بصاحِبَيْه: النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، وأبو بكْرٍ رضِيَ اللهُ عنه؛ ثم أوْضحَ عليٌّ رضِيَ اللهُ عنه سببَ كلامِه هذا بقوله: "وذلك أنَّي كنْتُ أُكْثِرُ أنْ أسمَعَ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ يقولُ: ذهَبْتُ أنا وأبو بكرٍ وعُمَرُ، ودخَلْتُ أنا وأبو بكْرٍ وعُمَرُ، وخرَجْتُ أنا وأبو بكْرٍ وعُمَرُ؛ فكنْتُ أظُنُّ لَيَجْعلَنَّك اللهُ مع صاحِبَيْك"، أي: لكثرةِ مُرافقتِهما لرسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ.
وفي الحديثِ: بيانُ فضْلِ عُمَرَ بنِ الخطَّابِ رضِيَ اللهُ عنه، وبيانُ مَنقبَةٍ ظاهرةٍ له.
وفيه: شَهادةُ الصَّحابةِ رضِيَ اللهُ عنهم لبِعضِهم بالفضْلِ.