كتاب اللقطة
حدثنا ابن السرح حدثنا ابن وهب أخبرنى مالك بإسناده ومعناه زاد « سقاؤها ترد الماء وتأكل الشجر ». ولم يقل « خذها ». فى ضالة الشاء وقال فى اللقطة « عرفها سنة فإن جاء صاحبها وإلا فشأنك بها ». ولم يذكر « استنفق ». قال أبو داود رواه الثورى وسليمان بن بلال وحماد بن سلمة عن ربيعة مثله لم يقولوا « خذها ».
من مقاصد الشريعة العظمى الحفاظ على أموال الناس وصونها من النهب والسرقة والضياع، أو أن يطمع فيها أحدهم عند فقدها
وفي هذا الحديث يبين النبي صلى الله عليه وسلم حكم اللقطة وضالة الحيوان، فيروي زيد بن خالد الجهني رضي الله عنه أنه جاء رجل -قيل: اسمه عمير أبو مالك- إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فسأله عن اللقطة، كيف يتعامل معها؟ وما يحل له فيها وما لا يحل؟ واللقطة: هي ما يلتقط من الأرض من الأشياء والأمتعة المحترمة، المملوكة لآدمي، غير المحرزة، ولا ممتنعة بقوتها. فقال صلى الله عليه وسلم: «اعرف عفاصها ووكاءها»، والعفاص: هو الوعاء الذي تكون فيه، والوكاء: هو الخيط الذي يربط به وعاؤها، فأمر النبي صلى الله عليه وسلم من وجدها أن يعرف مواصفاتها معرفة جيدة من غير شك، والحكمة في ذلك: أن يعرف صدق واصفها أو كذبه، ولئلا تختلط بماله. قال: «ثم عرفها سنة»، والمقصود بالتعريف: أن يخبر عنها في التجمعات والأماكن التي يظن أنه يجد صاحبها فيها، «فإن جاء صاحبها» قبل الفراغ من التعريف أو بعده، فأدها إليه، «وإلا فشأنك بها»، أي: فإن لم يأت صاحبها فهي لمن وجدها، يفعل بها ما أراد، فإن جاء صاحبها في أي وقت بعد ذلك تؤدى إليه
ثم سأل الرجل النبي صلى الله عليه وسلم عن ضالة الغنم، والضالة: هي الضائعة من كل ما يقتنى من الحيوان وغيره، فقال له صلى الله عليه وسلم: تكون ملكك إن أخذتها وعرفتها ولم تجد صاحبها، أو لأخيك، أي: يلتقطها غيرك، أو أنها تبقى ضالة حتى يفترسها ويأكلها الذئب، فضالة الغنم هي رزق من وجدها إذا عرفها ولم يأت صاحبها
ثم سأل الرجل عن حكم ضالة الإبل، فقال له صلى الله عليه وسلم: «ما لك ولها؟!» وهذا استنكار منه صلى الله عليه وسلم لأخذ ضالة الإبل، وفي رواية الصحيحين: «فغضب حتى احمرت وجنتاه» قيل: إنما كان غضبه صلى الله عليه وسلم عند السؤال عن ضالة الإبل استقصارا لعلم السائل، وسوء فهمه؛ إذ لم يراع المعنى المشار إليه، ولم يتنبه له، فقاس الشيء على غير نظيره؛ فإن اللقطة إنما هي اسم للشيء الذي يسقط من صاحبه ولا يدري أين موضعه؟ وضالة الإبل ليست كذلك؛ لأنها قد ترعى أياما، ثم تعود إلى مكانها التي تعرفه أو يأتي صاحبها فيأخذها
وقد بين صلى الله عليه وسلم السبب في ذلك بقوله: «معها سقاؤها»، أي: جوفها، فإذا وردت الماء شربت ما يكفيها حتى ترد ماء آخر، أو المراد بالسقاء: العنق؛ لأنها ترد الماء وتشرب من غير ساق يسقيها، أو أراد أنها أجلد البهائم على العطش، ومعها حذاؤها، وهو خفها، أي: تقوى بأخفافها على السير وقطع البلاد الشاسعة وورود المياه النائية، فشبهها النبي صلى الله عليه وسلم بمن كان معه سقاء وحذاء في سفره، «ترد الماء وتأكل الشجر»، أي: تأتي الماء فتشرب، وتأكل من نبات الأرض، حتى يجدها صاحبها. وذلك هو الفرق بين الإبل والغنم: أن الإبل تملك من القوة ما تستطيع به الحفاظ على حياتها إلى أن يجدها صاحبها، بخلاف الغنم؛ فإنها إن شردت عن راعيها وقطيعها هلكت
وفي الحديث: مراعاة الإسلام لكل أمور الحياة التي يهتم لها الإنسان وتدخل في حياته، سواء بقصد أو بغير قصد