كتاب صلاة الخوف 6
سنن النسائي
أخبرنا عبيد الله بن سعد بن إبراهيم، قال: حدثنا عمي، قال: حدثنا أبي، عن ابن إسحق، قال: حدثني داود بن الحصين، عن عكرمة، عن ابن عباس قال: «ما كانت صلاة الخوف إلا سجدتين كصلاة أحراسكم هؤلاء اليوم خلف أئمتكم هؤلاء، إلا أنها كانت عقبا، قامت طائفة منهم وهم جميعا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وسجدت معه طائفة منهم، ثم قام رسول الله صلى الله عليه وسلم وقاموا معه جميعا، ثم ركع وركعوا معه جميعا، ثم سجد فسجد معه الذين كانوا قياما أول مرة، فلما جلس رسول الله صلى الله عليه وسلم والذين سجدوا معه في آخر صلاتهم سجد الذين كانوا قياما لأنفسهم، ثم جلسوا فجمعهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بالتسليم»
الصَّلاةُ عِمادُ الدِّينِ، ولا يَسعُ المسلمَ ترْكُها في حَضرٍ ولا سَفرٍ، ولا سِلمٍ ولا حربٍ، ولِعِظمِ أهميَّتِها أوجبَ الشَّرعُ أداءَها في كلِّ وقتٍ حتَّى في الحربِ ولكن مع التَّخفيفِ
وهذا الحَديثُ يدُلُّ على ذلك، وفيه يقولُ عبدُ اللهِ بنُ عبَّاسٍ رضي اللهُ عنهما: "ما كانتْ صَلاةُ الخوفِ"، وهي الصَّلاةُ الَّتي تُقامُ بحضرَةِ العدوِّ، "إلَّا سَجدتينِ"، أي: رَكعتينِ، "كصَلاةِ أحراسِكم هؤلاء اليومَ خلْفَ أئمَّتِكم هؤلاء"، أي: إنَّها كانتْ بمِثلِ الصَّلاةِ الَّتي يُصلِّيها حرَسُ السُّلطانِ خَلْفَ إمامِهم، "إلَّا أنَّها كانتْ عَقبًا"، أي: كانتْ تُؤدَّى تَعاقبًا، والمعنى: أنَّ طائفةً سجَدتْ بعدَ طائفةٍ؛ فلا يَسجُدون جميعًا بمِثلِ ما يَفعلُ حَرسُ السُّلطانِ
ثمَّ ذَكَر ابنُ عبَّاسٍ رضِي اللهُ عنهما كيفيَّتَها، قال: "قامتْ طائفةٌ منهم"، أي: قامتْ جماعةٌ من الجَيشِ من الرُّكوعِ الأوَّلِ ووقفَت مكانَها ولم تَسجُدْ، "وهُم جميعًا مع رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم وسجدتْ معه طائفةٌ منهم"، أي: وكلُّ الجَيشِ حاضرٌ مع رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم إلَّا أنَّ طائفةً منهم قامت تَحرُسُ الطَّائفةَ السَّاجدةَ من العَدوِّ، ولا يُشترَطُ في الطَّائفتينِ أن تَكونَا مُتساويتَينِ؛ لأنَّ الطَّائفةَ تُطلَق على القَليلِ والكثيرِ، "ثُمَّ قام رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم وقاموا معه جميعًا" في الرَّكعةِ الثَّانيةِ "ثمَّ ركع وركَعوا معه جميعًا، ثمَّ سجَد فسجَد معه الَّذين كانوا قِيامًا أوَّلَ مرَّةٍ؛ فلمَّا جلَس رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم والَّذين سَجَدوا معه في آخِرِ صَلاتِهم، سَجَد الَّذين كانوا قِيامًا لأنفُسِهم، ثمَّ جَلَسوا فجَمعَهم رسولُ اللهِ بالتَّسليمِ"، أي: إنَّ الطَّائفتَينِ جميعًا دَخلوا في الصَّلاةِ مع النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، ورَكَعوا معه، ثمَّ سَجدتْ معه في الرَّكعةِ الأولى طائفةٌ، وحرَستْ أُخرى، ثمَّ سجَدتِ الَّتي تحرُسُ معه في الرَّكعةِ الثَّانيةِ، ثمَّ سجَدتِ الأولى لنفْسِها، ثمَّ سلَّموا كلُّهم معه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم. وهذه الكيفيَّةَ هي إحْدَى كيفيَّاتِ صلاةِ الخوفِ الَّتي وردتْ عن النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ