ما يتمنى أهل الجنة
سنن النسائي
أخبرنا أبو بكر بن نافع، قال: حدثنا بهز، قال: حدثنا حماد، عن ثابت، عن أنس، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " يؤتى بالرجل من أهل الجنة، فيقول الله عز وجل: يا ابن آدم، كيف وجدت منزلك؟ فيقول: أي رب خير منزل، فيقول: سل وتمن، فيقول: أسألك أن تردني إلى الدنيا فأقتل في سبيلك عشر مرات، لما يرى من فضل الشهادة "
للشَّهادةِ والموتِ في سَبيلِ الله عزَّ وجلَّ فضلٌ كبيرٌ، وأجرٌ عظيمٌ؛ ولذلك يَرجُوها المسلمُ الصَّادقُ ويَسألُ اللهَ تعالى الشهادةَ والموتَ في سبيلِه
وفي هذا الحَديثِ يقولُ النَّبيُّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم: "يُؤتَى بالرَّجلِ مِن أهلِ الجنَّةِ"، أي: بالشَّهيدِ الَّذي قُتِلَ في سَبيلِ اللهِ عزَّ وجلَّ بعدَما دخَل الجنَّةَ ورأَى مَنزِلَتَه فيها، وقيل: بل بغَيرِه بعدما رأَى فَضلَ الشَّهيدِ، "فيقولُ اللهُ عزَّ وجلَّ: يا بنَ آدَمَ، كيف وجَدتَ مَنزلَك؟"، أي: درجَتَك ومنزلَتَك الَّتي تحصَّلتَ عليها في الجنَّةِ، هل تَرضى بها؟ فيَقولُ الرَّجلُ: "أيْ ربِّ، خَيرَ مَنزلٍ"، وهذا بيانٌ لرِضاه بما تَحصَّل عليه مِن نَعيمٍ، فيقولُ اللهُ عزَّ وجلَّ: "سَلْ وتمَنَّ"، أي: اسأَلْ واطلُبْ ما تَشاءُ، فيَقولُ الرَّجلُ: "أسأَلُك أن تَرُدَّني إلى الدُّنيا فأُقتَلَ في سَبيلِك عَشْرَ مرَّاتٍ"، أي: إنَّه يَطلُبُ تَكْرارَ الحياةِ لبَذلِها في سَبيلِ اللهِ عزَّ وجلَّ؛ وذلك "لِما يرَى مِن فَضلِ الشَّهادةِ"، فيَطمَعُ في أنْ ينالَ أَجرَ الشَّهيدِ أضعافًا مُضاعَفةً
قيل: وإنَّما سُمِّي المقتولُ في سَبيلِ اللهِ تعالى شَهيدًا؛ لأنَّه حيٌّ؛ فإنَّ رُوحَه شَهِدَتْ وحضَرَت دارَ السَّلامِ، وأرواحَ غيرِه إنَّما تَشهَدُها يومَ القيامَةِ، وقيل: إنَّ اللهَ تعالى وملائكتَه عليهم الصَّلاةُ والسَّلامُ يَشهَدون له بالجنَّةِ، وقيل: لأنَّه شَهِدَ عند خروجِ رُوحِه ما أعَدَّه اللهُ تعالى مِن الثَّوابِ والكرامَةِ، وغيرُ ذلك مِن الأقوالِ في تَفسيرِ مَعنى الشَّهيدِ
وفي الحديثِ: الحَثُّ والتَّرغيبُ في الجِهادِ والقِتالِ في سَبيلِ اللهِ تعالى