ما يجوز للمحرم أكله من الصيد 2
سنن النسائي
أخبرنا عمرو بن علي، قال: حدثنا يحيى بن سعيد، قال: حدثنا ابن جريج، قال: حدثني محمد بن المنكدر، عن معاذ بن عبد الرحمن التيمي، عن أبيه، قال: " كنا مع طلحة بن عبيد الله ونحن محرمون، فأهدي له طير وهو راقد، فأكل بعضنا، وتورع بعضنا، فاستيقظ طلحة فوفق من أكله، وقال: «أكلناه مع رسول الله صلى الله عليه وسلم»
الحَجُّ رُكنٌ مِن أَركانِ الإِسْلامِ، وهوَ عِبادةٌ لمَنِ استَطاعَ إليها سَبيلًا، وَفيها تُمنَعُ بعضُ المُباحاتِ عَلى مَن أَحْرمَ بالحجِّ
وفي هذا الحَديثِ يُخبِرُ التَّابِعيُّ عبدُ الرَّحمنِ بنُ عُثمانَ التَّيميُّ أنَّهم كانوا ذاتَ مرَّةٍ معَ الصَّحابيِّ طَلحةَ بنِ عُبَيدِ اللهِ رَضيَ اللهُ عنه، والنَّاسُ مُتلبِّسونَ بالنُّسكِ للحجِّ أوِ العُمرةِ، فأُهدِيَ لطَلحةَ رَضيَ اللهُ عنه طَيْرٌ مَشوِيٌّ أو مَطبوخٌ، ولعلَّه كان طَيرًا منَ الصَّيدِ، وكان طَلحةُ راقدًا نائمًا، فلم يَعلَمْ بأمْرِ هذا الطَّيرِ الَّذي أُهديَ إليه، ولم يَظهَرْ حُكمُ الأكْلِ منه للمُحرِمينَ، فانقسَمَ النَّاسُ فَريقَينِ؛ فمنْهم مَن أكَلَ مِن هذا الطَّيرِ، ومنهم مَن توَرَّعَ وخافَ، فامتَنعَ عنِ الأكْلِ منَ الطَّيرِ المُهدَى؛ ظنًّا مِنه أنَّه لا يَجوزُ للمُحرمِ أكْلُه، «فلمَّا استَيقَظَ طَلحةُ وفَّقَ مَن أكَلَه»، أي: وَصَفه بالتَّوفيقِ بالقَولِ أوِ الفِعلِ، فقالَ طَلحةُ مُعلِّلًا تَوفيقَه لمَن أكَلَ: لَقدْ أَكَلْنا معَ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ مِثلَ ذلكَ ونَحنُ مُحرِمونَ، فكُلوا ممَّا أُهدِيَ إليَّ
وقدْ جاءَ في الصَّحيحَينِ عنِ ابنِ عبَّاسٍ رَضيَ اللهُ عنهُما: «أنَّ الصَّعبَ بنَ جَثَّامةَ اللَّيثيَّ أَهْدى إلى النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ حمارًا وَحْشيًّا، وهوَ بالأَبْواءِ أو بودَّانَ -وهما مَكانانِ-، فردَّه عليهِ رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم، فلمَّا رَأى ما في وَجْهِه قالَ: إنَّا لم نَردَّه عليكَ إلَّا أنَّا حُرُمٌ»
ويُجمَعُ بيْنَ الحَديثَينِ أنَّ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ أباحَ لهمُ الطَّيرَ؛ لأنَّ المُحرِمَ ليسَ له أَثرٌ في هذا الصَّيدِ، كما ورَدَ مُصرَّحًا به في حَديثِ أبي قَتادةَ رَضيَ اللهُ عنه الَّذي في الصَّحيحَينِ: أنَّه صادَ حمارًا وَحشيًّا، فلمَّا سأَلوا النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ قال لهم: «هَلْ مِنْكُمْ أَحَدٌ أَمَرَهُ أَوْ أَشَارَ إِلَيْهِ بِشَيْءٍ؟ قَالُوا: لَا، قَالَ: «فَكُلُوا مَا بَقِيَ مِنْ لَحْمِهَا»
أمَّا ردُّه صَيْدَ الصَّعبِ بنِ جَثَّامةَ؛ لأنَّه صادَه لأَجْلِه، وقدْ كانَ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ مُحرِمًا، والمحرِمُ لا يأكُلُ لحمَ صيْدٍ صِيدَ له، ولولا أنَّه كان مُحرِمًا لقَبِلَه وأكَلَه
وفي الحَديثِ: تَبيينُ الصَّحابةِ أحْكامَ الدِّينِ لمَن عاصَروهم منَ التَّابِعينَ