حدثنا محمد بن جعفر، حدثنا شعبة، عن أبي مسلمة، قال: سمعت أبا نضرة، يحدث عن أبي سعيد الخدري، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه (1) قال: " إن الدنيا خضرة حلوة، وإن الله عز وجل مستخلفكم فيها، لينظر كيف تعملون، فاتقوا الدنيا واتقوا النساء، فإن أول فتنة بني إسرائيل كانت في النساء " (2)
في هذا الحَديثِ يُخبِرُ أبو سَعيدٍ الخُدريُّ رضِيَ اللهُ عنه: "أنَّ رَسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ ذكَرَ الدُّنيا، فقال: إنَّ الدُّنيا خَضِرةٌ حُلوةٌ"، أي: إنَّ الدُّنيا تُشبِهُ الفاكِهَةَ الخَضِرَةَ في المَنظَرِ، الحُلْوَةَ في المَذاقِ؛ ولذلك تَرغَبُها النُّفوسُ وتَمِيلُ إليها وتَحرِصُ عليها وقيل: في تَشبيهِها بالخُضرةِ إشارةٌ إلى سُرعةِ زَوالها كزَوالِ اخْضِرارِ الأرضِ؛ "فاتَّقوها"، أي: احْذَروها وقُوموا بما أمَرَكم اللهُ به، واتْرُكوا ما نَهاكُم عنه، ولا تَغُرَّنَّكم حلاوَةُ الدُّنيا ونَضْرَتُها، "واتَّقوا النِّساءَ"، احذَروا أنْ تَميلوا إلى النِّساءِ بالحَرامِ، أو تَنْساقُوا وراءَ النِّساءِ وفِتنَتِهنَّ، قال أبو سعيدٍ رضِيَ اللهُ عنه: "ثمَّ ذكَرَ نِسوةً ثلاثًا مِن بني إسرائيلَ: امرأتينِ طويلتينِ تُعرفانِ، وامرأةً قَصيرةً لا تُعرَفُ"، أي: إنَّها إذا مَشتْ معَ صاحِبتَيْها ظهَرَ قِصَرُها، "فاتَّخذَتْ رِجلينِ مِن خشَبٍ"، أي: فلبِسَتْ في قدَمَيها رِجلَينِ مُزوَّرتينِ مِن خَشبٍ، أو اتَّخذتْ كَعبَينِ طَويلينِ لِنَعلَيْها، فكأنَّهما لِطُولِهما رِجلانِ؛ وذلك حتَّى تكونَ طويلةً مِثلَهما؛ فلا تَتفاضلانِ ولا تَتميَّزانِ وتَتباهيانِ عليها، وللحديثِ تَتِمة قال: "وصاغَتْ خاتمًا"، أي: صنَعَتْه على صِفَةٍ لها، "فحَشَتْه مِن أطيَبِ الطِّيبِ؛ المِسكِ"، وهو من أَفضلِ أنواعِ الطِّيبِ، "وجعَلَتْ له غُلفًا" وفي روايةِ أحمَدَ: "غَلَقًا"، أي: غِطاءً، "فإذا مرَّتِ المسجِدَ- أو بالملَأِ- قالت به"، أي: رفَعَتْ إصبعَها الَّذي فيه الخاتمُ، "ففتَحَتْه، ففاحَ رِيحُه"، أي: تَقصِدُ إظهارَ رائحةَ المِسكِ عندَ مُرورِها بمُجتمَعِ الرِّجالِ.
وفي الحديثِ: الحَثُّ على مُلازمَةِ التَّقوَى، وعَدمِ الانْشِغالِ بظَواهرِ الدُّنيا وزِينَتِها.
وفيه: أنَّ المِسكَ أطيَبُ الطِّيبِ.
وفيه: أنَّ جمْعَ الإنسانِ المالَ أو ما يَحتاجُه من أغراضِ الدُّنيا بالطُّرقِ الحلالِ ليسَ مُستهْجَنًا، إذا اتَّصَفَ في ذلك بحُسنِ الطَّلبِ.