مسند أبي سعيد الخدري رضي الله عنه363
مسند احمد
حدثنا عبد الملك بن عمرو، حدثنا زهير، عن شريك بن عبد الله بن أبي نمر، عن عبد الرحمن بن أبي سعيد الخدري، عن أبيه قال: خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى قباء يوم الاثنين فمررنا في بني سالم، فوقف رسول الله صلى الله عليه وسلم بباب بني عتبان، فصرخ وابن عتبان على بطن امرأته، فخرج يجر إزاره، فلما رآه رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: " أعجلنا الرجل "، قال ابن عتبان: يا رسول الله، أرأيت الرجل إذا أتى امرأته، (1) ولم يمن (2) عليها، ماذا عليه؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: " إنما الماء من الماء " (3)
الطَّهارةُ شِعارُ المؤمِنِ، وكانَ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ يُعلِّمُ أصحابَه أُمورَ الطَّهارةِ والاغتِسالِ، وكانَ الصَّحابةُ رَضيَ اللهُ عنهم يَسألونه عمَّا أشكَلَ عليهم منها.
وفي هذا الحديثِ يَحكي أبو سَعيدٍ الخُدريُّ رَضيَ اللهُ عنه أنَّه خَرَجَ مع رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ يومَ الاثنينِ إلى قُباءَ، وهو: مَوضِعٌ بقُربِ المدينةِ من جِهةِ الجنوبِ، وكانت قريةً على طريقِ القوافلِ القادِمةِ من مكَّةَ، ثُمَّ امتدَّ العُمرانُ إليها فاتَّصلت ببَقيَّةِ أنحاءِ المدينةِ، «حتَّى إذا كانوا في بَني سالمٍ» وهم: عَشيرةٌ من عَشائرِ الخَزرجِ، وقَفَ رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ على بابِ عِتبَانَ بنِ مالكٍ الأنصاريِّ رَضيَ اللهُ عنه، فنادَاه بَصوتٍ مُرتفعٍ، فلمَّا سَمِعَه عِتبانُ رَضيَ اللهُ عنه خرَجَ يَجُرُّ إزارَه، وهذا كِنايةٌ عن شِدَّةِ سُرعتِه في تَلبيةِ نِداءِ رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ له، والإزارُ: الثَّوبُ الَّذي يُغطِّي النِّصفَ الأسفلَ مِنَ الجسدِ، فقالَ رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: «أعجَلْنا الرَّجُلَ»، أي: استَعجَلناه للخروجِ، فسألَه عِتبانُ رَضيَ اللهُ عنه: «يا رَسولَ اللهِ، أرأَيْتَ الرَّجلَ يُعجَلُ عنِ امرأتِه»، أي: يقومُ عنها وهو في حالِ جِماعٍ لها، ولم يُنزِل مَنيًّا، هل عليه غُسلٌ أم لا؟ فقال رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: «إنَّما الماءُ مِنَ الماءِ»، أي: إنَّما يَلزَمُ الغُسلُ مِنَ الجَنابةِ إذا خرَجَ ماءُ الشَّهوةِ مِنَ الرَّجلِ أو المرأةِ؛ إشارةً إلى أنَّه لو جَامَعها دونَ إنزالٍ للمَنيِّ ليس عليه غُسلٌ.
وهذا الحُكمُ كان في أوَّلِ الإسلامِ، ثمَّ نُسِخَ بما في الصَّحيحَينِ من حديثِ أبي هُريرةَ رَضيَ اللهُ عنه أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ قال: «إذا جَلَس بيْنَ شُعَبِها الأَربعِ، ثمَّ جَهَدَها»، وهذا كِنايةٌ عن مُجرَّد الجِماعِ؛ «فقدْ وجَبَ الغُسلُ»، وفي رِوايةِ مُسلِمٍ: «وإنْ لم يُنزِلْ».
فوُجوبُ الغُسلِ على كلِّ مَن جامَعَ امرأتَه أنزلَ مَنيًّا أو لم يُنزِل؛ هو الحُكمُ الذي استَقرَّ عليه العَملُ في عَهدِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ وبعدَه.
وفي الحديثِ: مَشروعيَّةُ نِداءِ أصحابِ الدَّارِ بصَوتٍ مُرتفعٍ لإعلامِهم بالحُضورِ.