مسند أبي هريرة رضي الله عنه 756

مسند احمد

مسند أبي هريرة رضي الله عنه 756

حدثنا محمد بن جعفر، وهاشم، قالا: حدثنا شعبة، عن أبي بلج - قال هاشم: أخبرني يحيى بن أبي سليم -، قال: سمعت عمرو بن ميمون، قال: سمعت أبا هريرة، يحدث عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: " ألا أعلمك - قال هاشم: أفلا أدلك - على كلمة من كنز الجنة من تحت العرش: لا قوة إلا بالله، يقول: أسلم عبدي واستسلم "

لا يَعْمَلُ المؤمنُ عَمَلًا إلَّا بتوفيقِ اللهِ وهِدايتِه، ولو وَكَلَه اللهُ إلى نفْسِهِ لَضَلَّ طَريقَهُ؛ فكلُّ قُوَّةٍ يصِلُ بها المرءُ إلى غايتِه؛ فإنَّما هي بِحَوْلِ اللهِ تعالى ومَعُونَتِهِ
وفي هذا الحَديثِ يُخبِرُ أبو هُرَيْرةَ رضِيَ اللهُ عنه، عن النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، أنَّه قالَ له: "أَلَا أُعلِّمُكَ -أو أَلَا أَدُلُّكَ على-" وهو أُسلوبُ اسِتْفهامٍ، الغَرَضُ منه الحضُّ على التعلُّمِ، وقولُهُ: "كَلِمةً من تحتِ العَرْشِ"، أي: كَلِمةً أُنزِلَتْ منَ الكَنْزِ الذي تحتَ العَرْشِ، وهي أيضًا "مِن كَنْزِ الجنَّةِ؟" ومعنى الكَنْزِ هنا أنَّه ثوابٌ مُدخَّرٌ في الجنَّةِ، وهو ثوابٌ نفيسٌ لمن أرادَ تَحْصيلَه، كما يُدَّخَرُ الكَنزُ، وهو المالُ المجموعُ المُخبَّأُ، أو أنَّها مِن ذَخائِرِ الجنَّةِ ومُحصِّلاتِ نَفائسِها؛ وذلك أنَّ قولَها يَحصُلُ به الثَّوابُ العظيمُ، فتَنفَعُ صاحِبَها يومَ لا يَنفَعُ مالٌ ولا بَنونَ
"تقولُ: لا حوْلَ ولا قُوَّةَ إلَّا باللهِ"، ومَعْناها: التبرُّؤُ مِن القُوَّةِ والحِيلَةِ، والإقرارُ بأنَّه لا يُوصَلُ إلى تَدبيرِ أمرٍ، وتغييرِ حالٍ إلَّا بِمَشِيئَةِ الله وعَوْنِهِ، وقيل مَعْناها: لا حَولَ في دَفْعِ الشَّرِّ، ولا طاقةَ بجَلْبِ خَيرٍ إلَّا بإذنِ اللهِ، وفيها اعِتْرافٌ مِن قائلِها بالإذْعانِ والخُضوعِ للهِ وتَسْليمِ الأمْرِ إليه، "فيقولُ اللهُ"، أي: إذا قال العبْدُ هذه الكَلِمةَ قال اللهُ عزَّ وجلَّ لملائكتِهِ مُعْلِمًا لهم بكمالِ قائلِها، "أسْلَمَ عبدي" بمعنى انقادَ وتَرَكَ العِنادَ، أو أخْلَصَ في العُبوديَّةِ بالتَّسْليمِ لأُمورِ الرُّبوبيَّةِ، "واسْتَسْلَمَ" بمعنى بالَغَ في الانْقيادِ، وقطْعِ النَّظَرِ عنِ العِبادِ، وقيل: أي: فوَّضَ أُمورَ الكائِناتِ إلى اللهِ بأسْرِها، وانْقادَ هو بنَفْسِهِ للهِ مُخلِصًا له الدِّينَ؛ لأنها كَلِمةُ اسْتِسْلامٍ وتَفْويضٍ إلى اللهِ تعالى، واعْتِرافٍ بالإذْعانِ له، وأنَّه لا صانِعَ غيرُهُ ولا رادَّ لأمْرِهِ، وأنَّ العبدَ لا يَملِكُ شيئًا من الأمْرِ
وفي الحديثِ: الحثُّ على الإكْثارِ مِن ذِكرِ اللهِ تعالى
وفيه: تَعليمُ النَّبيِّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم لأُمَّتِهِ ما يَنفَعُها في الميعادِ