حدثنا روح، حدثنا هشام بن أبي عبد الله، عن قتادة، عن أنس بن مالك، أن نبي الله صلى الله عليه وسلم قال: " ليصيبن ناسا سفع من النار، عقوبة بذنوب عملوها، ثم ليدخلهم (1) الله الجنة بفضل رحمته، يقال لهم الجهنميون "
كانَ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يُخبِرُ أصحابَه رضِيَ اللهُ عنهم عن يوْمِ القيامةِ وبعضِ ما سيقَعُ فيه للمُؤمِنِ والكافِرِ، ونحوِها من الأمورِ الغَيبِيَّةِ التي لا يعلَمُها إلَّا اللهُ؛ للعِبرةِ والعِظةِ والاستِعدادِ لهذِهِ الأيَّامِ؛ وللبُعدِ عن الوُقوعِ في الكُفرِ، والاستعدادِ بالطَّاعاتِ رَجاءَ دُخولِ الجنَّةِ.
وفي هذا الحديثِ يخبِرُنا صلَّى اللهُ عليه وسلَّم عن بَعضِ مَا يَمُنُّ اللهُ تعالَى به على بَعضِ أهلِ التَّوحِيد -وإنْ كانوا استَحَقُّوا دُخولَ النَّارِ بمَعاصِيهم-: أنَّه يُخرِجُهم منها بعْدَما يَمَسُّهم منها سَفْعٌ، أي: تَغيِيرٌ في لَوْنِ جُلودِهم للسُّمْرةِ بسَببِ حَرارةِ النَّارِ وحرْقِها لهم؛ يُقال: سَفعَتْه النَّارُ: إذا لفَحَتْه لَفْحًا يَسيرًا، فغيَّرتْ لوْنَ البَشَرةِ.
فيُدخِلُهم اللهُ تعالَى الجنَّةَ برَحْمتِه بعدما يشفَعُ فيهم النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، كما في حديثِ التِّرمِذيِّ عن عِمرانَ بنِ حُصَينٍ رَضِيَ اللهُ عنه: «بشفاعتي»، فيُسمِّيهم أهلُ الجنَّةِ مِمَّنْ سَبَقَهم إليها: الجَهَنَّمِيِّينَ؛ نِسبةً لِجَهَنَّمَ، وهذه التَّسميَّةُ ليْستْ تَنقيصًا لهم، بلْ هي استذكارٌ؛ ليَزيدوا فَرَحًا على فرَحٍ، وابتهاجًا على ابتهاجٍ، وكأنَّ هذا الاسمَ يختَصُّ بمن يَشفَعُ لهم النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم بالإخراجِ منها، وإلَّا فقد ثبت أنَّ اللهَ يخرِجُ أقوامًا من النَّارِ لا بشفاعةٍ، وأنَّهم يُسَمَّونَ عُتَقاءَ اللهِ، كما عند مُسلِمٍ.