مسند أنس بن مالك رضي الله تعالى عنه1583
حدثنا سريج، حدثنا فليح، عن هلال بن علي، عن أنس بن مالك، قال: أخبرني بعض من لا أتهمه من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، أنه قال: بينما رسول الله صلى الله عليه وسلم وبلال يمشيان بالبقيع، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " يا بلال، (1) هل تسمع ما أسمع؟ " قال: لا، والله يا رسول الله ما أسمعه، قال: " ألا تسمع أهل هذه القبور يعذبون؟ " يعني قبور الجاهلية
عَذابُ القبْرِ مِن العُقوباتِ الغَيبيَّةِ التي بيَّنَها لنا رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، والتي يَجِبُ الإيمانُ بها.
وفي هذا الحديثِ يقولُ أنسُ بنُ مالكٍ رضِيَ اللهُ عنه: "بيْنما رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ وبِلالٌ يَمْشيانِ بالبَقيعِ" وهي المقبرَةُ المَعروفةُ الَّتي يَدفِنُ بها أهلُ المدينةِ مَوْتاهم، وتقَعُ على الجِهةِ الشَّرقيَّةِ مِن المسجِدِ النَّبويِّ، "فقال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: يا بِلالُ، هل تَسمَعُ ما أسْمَعُ؟ قال: لا واللهِ يا رسولَ اللهِ، ما أسْمَعُه"، فظهَرَ أنَّ الصَّوتَ المَسموعَ خاصٌّ بالنَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، "قال: ألَا تَسمَعُ أهلَ هذه القُبورِ يُعذَّبونَ؟ -يعني: قُبورَ الجاهليَّةِ-"، والمعنى: أنَّهم يُعذَّبون في قُبورِهم على ما سَبَقِ مِن شِرْكيَّاتٍ وكُفْرٍ باللهِ عزَّ وجلَّ، وما اقْتَرَفوهُ في زمَنِ الجاهليَّةِ، وهي الفترةُ التي سبَقَتْ مَبعَثَ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ بالدَّعوةِ إلى دِينِ اللهِ عزَّ وجلَّ.
وقد ثبَتَ عَذابُ القَبرِ ونَعيمُه بالكِتابِ وبالسُّنَّةِ، وأجْمَعَتِ الأُمَّةُ على ثُبوتِه؛ فهو مَنقولٌ إلينا بالتَّواتُرِ؛ فعلَى المُسلِمِ أنْ يؤمِنَ به، وأنْ يَستعيذَ باللهِ تعالى مِن فِتْنةِ القبْرِ وعَذابِه.
وفي الحديثِ: إثباتُ العذابِ لِأهْلِ الجاهليَّةِ في قُبورِهم.