مسند عبد الله بن عمر رضي الله عنهما 258

مسند احمد

مسند عبد الله بن عمر رضي الله عنهما 258

حدثنا يحيى، عن عبيد الله، حدثني نافع، عن عبد الله بن عمر، عن النبي صلى الله عليه وسلم «الحمى من فيح جهنم فأبردوها بالماء»

كان النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ يَأمُرُ النَّاسَ بالأخْذِ بالأسبابِ الدُّنيويَّةِ مع التَّوكُّلِ التَّامِّ على اللهِ تعالَى؛ فإنَّه سُبحانَه خالقُ الأسبابِ والمسبَّباتِ، ولا يَتعارَضُ الأخذُ بالأسبابِ مع التَّوكُّلِ عليه سُبحانَه في كلِّ شَيءٍ

وفي هذا الحديثِ يَرْوي التَّابعيُّ أبو جَمْرةَ نصْرُ بنُ عِمرانَ الضُّبَعيُّ أنَّه كانَ يُجالِسُ عبدَ اللهِ بنَ عَبَّاسٍ رَضيَ اللهُ عنهُما بِمَكَّةَ، فَأُصيبَ أبو جَمْرةَ ذاتَ مرَّةٍ بالْحُمَّى -وهي ارتفاعُ دَرَجةِ حَرارةِ الجسمِ تُصيبُ الجسَدَ وتُضعِفُه-، فَقالَ لَه ابنُ عَبَّاسٍ رَضيَ اللهُ عنهما: «أَبْرِدْها»، أي: أطْفِئْ حَرارتَها عنكَ «بماءِ زَمْزَمَ»؛ إذ هو مُتيسِّرٌ عِندهم، أمَّا غيرُ أهلِ مكَّةَ فيُبرِدُها بما عِنده مِن الماءِ؛ وذلك أنَّ رَسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ قدْ أخبَرَ أنَّ الحُمَّى مِن «فَيْحِ جَهَنَّمَ»، أي: مِن سُطوعِ حَرِّها، ومِن حَرارتِها حَقيقةً، أُرْسِلَتْ إلى الدُّنْيا نَذيرًا لِلجاحِدينَ، وبَشيرًا لِلمُقَرَّبينَ كَفَّارةً لِذُنوبِهم، أو المرادُ: حَرُّ الحُمَّى شَبيهٌ بِحَرِّ جَهَنَّمَ، فَكَما أنَّ النَّارَ تُطْفأُ بالماءِ، فكذلك يُبرِدُ الماءُ الجسَدَ المصابَ بالحُمَّى. وشَكَّ همَّامُ بنُ يَحيى البَصريُّ -أحدُ رُواةِ هذا الحديثِ- فيما أخْبَرَه به أبو جَمْرةَ الضُّبَعيُّ، فقال: «أبْرِدوها بالماءِ» على الإطلاقِ، أو «بماءِ زَمْزمَ» على التَّقييدِ للتبرُّكِ به؛ لأنَّ ماءَ زَمْزمَ طَعامُ طُعمٍ، وشِفاءُ سُقمٍ. والواردُ في الحديثِ نَوعٌ مِن الطِّبِّ، ووَصْفٌ للدَّواءِ الَّذي لا يُشَكُّ في حُصولِ الشِّفاءِ به لمَن ناسَبَه وَوافَقَ مِزاجَه، والدَّواءُ يَختلِفُ باختِلافِ الأشخاصِ والأحوالِ؛ ولذلك يُرجَعُ فيه إلى أصحابِ الاختِصاصِ الصَّادقينَ الصَّالحينَ

وفي الحَديثِ: وَصْفٌ لِنارِ جَهَنَّمَ وشَدَّةِ حَرارتِها

وفيه: الأخْذُ بأسبابِ التَّداوي الملائمةِ لكلِّ نوعٍ مِن الأمراضِ