مسند أنس بن مالك رضي الله تعالى عنه533
مسند احمد
حدثنا عبد الصمد بن عبد الوارث، حدثنا أبي، حدثنا نافع أبو غالب الباهلي، شهد أنس بن مالك قال: فقال العلاء بن زياد العدوي: يا أبا حمزة بسن (1) أي الرجال كان نبي الله صلى الله عليه وسلم، إذ بعث؟ قال: " ابن أربعين سنة "، قال: ثم كان ماذا؟ قال: " كان (2) بمكة عشر سنين، وبالمدينة عشر سنين، فتمت له ستون سنة، ثم قبضه الله إليه ". قال: سن أي الرجال هو يومئذ؟ قال: " كأشب الرجال، وأحسنه، وأجمله، وألحمه "
قال: يا أبا حمزة: هل غزوت مع نبي الله صلى الله عليه وسلم؟ قال: نعم، غزوت معه يوم حنين، فخرج المشركون بكثرة، فحملوا علينا حتى رأينا خيلنا وراء ظهورنا، وفي المشركين رجل يحمل علينا، فيدقنا، ويحطمنا، فلما رأى ذلك نبي الله صلى الله عليه وسلم نزل فهزمهم الله فولوا، فقام نبي الله حين رأى الفتح، فجعل (3) يجاء بهم أسارى رجلا رجلا، فيبايعونه على الإسلام، فقال رجل من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن علي نذرا لئن جيء بالرجل الذي كان منذ اليوم يحطمنا، لأضربن عنقه، قال: فسكت نبي الله صلى الله عليه وسلم، وجيء بالرجل، فلما رأى نبي الله قال: يا نبي الله، تبت إلى الله، يا نبي الله، تبت إلى الله، قال: فأمسك نبي الله صلى الله عليه وسلم، فلم يبايعه ليوفي الآخر نذره. قال: فجعل ينظر النبي صلى الله عليه وسلم ليأمره بقتله، وجعل يهاب نبي الله صلى الله عليه وسلم أن يقتله، فلما رأى نبي الله صلى الله عليه وسلم أنه (1) لا يصنع شيئا بايعه (2) ، فقال: يا نبي الله نذري، قال: " لم أمسك عنه منذ اليوم، إلا لتوفي نذرك ". فقال: يا نبي الله، ألا أومضت إلي؟ فقال: " إنه ليس لنبي أن يومض " (3)
كان الصَّحابةُ الكِرامُ رَضيَ اللهُ عنهم يُحبُّونَ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ حُبًّا جَمًّا، حتَّى أنَّهم يَحْكُونَ ويَنقُلونَ لمَن بعْدَهم شَمائلَه وأوْصافَه الجَسديَّةَ والمَعْنويَّةَ.
وفي هذا الحَديثِ يَحْكي أنَسُ بنُ مالكٍ رَضيَ اللهُ عنه، عن بَعضِ صِفاتِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ الجِسميَّةِ، فأخْبَرَ أنَّه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم كان «رَبْعةً مِن القَومِ»، أي: مُتوسِّطَ الطُّولِ بيْن الطَّويلِ المُفرِطِ في الطُّولِ، والقَصيرِ الشَّديدِ القِصَرِ، أمَّا لونُ بشَرَتِه فقدْ كان «أزْهَرَ اللَّونِ»، أي: أبْيضَ مُشرَبًا بحُمْرةٍ، ليس بأبْيضَ «أمْهَقَ»، أي: لم يكُنْ خالِصَ البَياضِ كلَونِ الجِيرِ، وهو لَونٌ غيرُ مُحبَّبٍ في البشَرِ، «ولا آدَمَ»، أي: وكذلك لم يكُنْ أسمَرَ اللَّونِ. أمَّا شَعرُه فإنَّه «ليس بجَعْدٍ قَطَطٍ»، أي: ليس شَعرُه خشِنًا شَديدَ الخُشونةِ كشَعرِ الحَبَشةِ، «ولا سَبِطٍ»، أي: ولا ناعِمِ الشَّعرِ شَديدِ النُّعومةِ، ولكنَّه شَعرٌ «رَجِلٌ»، يَعْني: مُنسَرِحًا مُستَرسِلًا، فيه بَعضُ التَّكسُّرِ، ثمَّ أخبَرَ أنَّه صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ أُنزِلَ عليه الوَحيُ بالرِّسالةِ وهو ابنُ أربَعينَ سَنةً، فمَكَثَ بمكَّةَ عشْرَ سنينَ، بعدَ نُزولِ الوَحيِ، ومَجيءِ الملَكِ بـقولِه تعالَى: {يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ} [المدثر: 1]، وإلَّا فإنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ مكَثَ ثَلاثةَ عشَرَ عامًا بمكَّةَ مِن أوَّلِ ما جاءَه الملَكُ بالنُّبوَّةِ، وبالمَدينةِ عشْرَ سِنينَ، وقُبِضَ وليس في رَأسِه ولِحْيتِه عِشرونَ شَعرةً بَيضاءَ.
قال رَبيعةُ بنُ أبي عبدِ الرَّحمنِ -أحدُ رُواةِ الحديثِ-: «فرَأيْتُ شَعرًا مِن شَعرِه، فإذا هو أحمَرُ، فسألْتُ»، يَحتمِلُ أنَّه سَأَلَ أنسَ بنَ مالكٍ رَضيَ اللهُ عنه، فقيلَ: «احمَرَّ منَ الطِّيبِ»، يَعني: أنَّه لم يَختَضِبْ، وأنَّ الطِّيبَ الَّذي كان يُطيَّبُ به شَعرُ رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ هو الَّذي غيَّرَ لونَه.
وفي الحَديثِ: صِفةُ خَلْقِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، وأنَّه كان أحسَنَ النَّاسِ خَلْقًا.
.