مسند أنس بن مالك رضي الله تعالى عنه622
مسند احمد
حدثنا محمد بن سلمة الحراني، عن هشام، عن محمد بن سيرين، قال سئل أنس بن مالك عن خضاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يكن شاب إلا يسيرا، ولكن أبا بكر وعمر بعده خضبا بالحناء والكتم. قال: وجاء أبو بكر بأبيه أبي قحافة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم فتح مكة يحمله حتى وضعه بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأبي بكر: " لو أقررت الشيخ في بيته، لأتيناه تكرمة (1) لأبي بكر ". فأسلم ولحيته ورأسه كالثغامة بياضا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " غيروهما، وجنبوه السواد " (2)
كانَ الصَّحابةُ رِضوانُ اللهِ عليهم يتأمَّلونَ في رَسولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ، وَكانُوا حَريصينَ على نقْلِ هَيْئتِه لِمَن بَعدَهم، كما في هذا الحديثِ؛ حيث روى أنَسُ بنُ مالكٍ رضِيَ الله عنه: "أنَّ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ لم يكُنْ شابَ إلَّا يَسيرًا"، أي: لم يَظهَرْ فيه شَعرٌ أبيضُ إلَّا شَعراتٌ قليلةٌ، "ولكنَّ أبا بكرٍ وعمَرَ بعْدَه خضَبَا بالحِنَّاءِ والكَتَمِ"، والخَضْبُ: هو صَبْغُ الشَّعرِ بالحِنَّاءِ وغَيرِه، والكَتَمُ: نَبْتٌ يُخْلَط مَعَ نَباتِ الوَسِمَةِ- وهو شَجَرٌ باليَمَنِ يُخْضَب بوَرَقِه الشَّعرُ- وَيُصْبَغُ بالكَتَمِ الشَّعْرُ أسْوَدَ. وَقِيلَ: الكَتَمُ هو الوَسِمَةُ.
قال أنسٌ رضِيَ اللهُ عنه: "وجاء أبو بكرٍ رضِيَ اللهُ عنه بأبيهِ أبي قُحافةَ إلى رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ يومَ فتْحِ مكَّةَ"، وذلك في السَّنةِ الثَّامنةِ مِن الهِجرةِ، "يَحمِلُه"، إشارةٌ إلى كِبَرِ سِنِّهِ وضَعْفِه، "حتَّى وُضِعَ بيْن يدَيْ رسولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ، فقال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ لأبي بكرٍ رَحمةُ اللهِ عليه ورِضوانُه: لو أقرَرْتَ الشَّيخَ في بَيْتِه"، أي: لو تَركْتَه مُستقِرًّا في مكانِه مِن بَيْتِه، "لَأتيناهُ؛ تَكرمةً لأبي بكرٍ"، أي: مِن أجْلِ إكرامِ ولَدِهِ أبي بكرٍ الصِّدِّيقِ رضِيَ اللهُ عنه، ولمَكانَتِه مِن رسولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ، قال أنسٌ رضِيَ اللهُ عنه: "فأسلَمَ، ورأْسُه ولِحيتُه كالثَّغامةِ بَياضًا" والثَّغامُ: هو الشَّوكةُ البيضاءُ. وقيل: هو نَبْتٌ شَديدُ البَياضِ زهْرُه وثمَرُه يُشَبَّهُ به الشَّيبُ، "فقال رسولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ: غيِّرُوهما وجَنِّبوه السَّوادَ"، أي: غَيِّروا هذا البَياضَ بشَيءٍ مِنَ الخِضابِ، واجْتنِبُوا تَغْييرَه باللَّونِ الأسودِ.
وفي الحديثِ: بَيانُ بَعضِ شمائلِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ وصِفاتِه، وأنَّه لم يَشِبْ مِن شَعَرِه إلَّا شُعيراتٌ، ولم يَصبُغْ شَعرَه.
وفيه: الأمرُ بِتَغييرِ الشَّيبِ بالصَّبغِ واجتنابِ السَّوادِ.