مسند أنس بن مالك رضي الله تعالى عنه699
مسند احمد
حدثنا حجاج، حدثنا ليث، حدثني سعيد بن أبي سعيد، عن شريك بن عبد الله بن أبي نمر، أنه سمع أنس بن مالك يقول: بينما نحن مع رسول الله صلى الله عليه وسلم جلوسا في المسجد دخل رجل على جمل فأناخه في المسجد، فعقله ثم قال: أيكم محمد رسول الله (2) ؟ ورسول الله صلى الله عليه وسلم متكئ بين ظهرانيهم قال: فقلنا: هذا الرجل الأبيض المتكئ. فقال: الرجل يا ابن عبد المطلب، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: " قد أجبتك " فقال الرجل: إني يا محمد سائلك فمشدد عليك في المسألة، فلا تجد علي في نفسك. فقال: " سل ما بدا لك " فقال الرجل: نشدتك بربك، ورب من كان قبلك، آلله أرسلك إلى الناس كلهم؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " اللهم نعم ". قال: فأنشدك الله، آلله أمرك أن نصلي الصلوات الخمس في اليوم والليلة؟ قال: " اللهم نعم ". قال: فأنشدك الله، آلله أمرك أن نصوم هذا الشهر من السنة؟ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " اللهم نعم " قال: أنشدك الله، آلله أمرك أن تأخذ هذه الصدقة من أغنيائنا، فتقسمها على فقرائنا؟ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " اللهم نعم ". قال الرجل: آمنت بما جئت به، وأنا رسول من ورائي من قومي، قال: وأنا ضمام بن ثعلبة أخو بني سعد بن بكر (1)
كان النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ أكثرَ الناسِ تواضعًا، وكان الناسُ يَأتون إلى فيَسألونَه عن شَرائعِ الدِّينِ، فيُعلِّمُهم ويُجِيبُهم بما يُناسِبُ أحوالَهم؛ حتى يكونَ الأمرُ واضحًا في عُقولِهم.
وفي هذا الحديثِ يُخبِرُ أنسُ بنُ مالكٍ رَضيَ اللهُ عنه أنَّ ضِمامَ بنَ ثعلبةَ رَضيَ اللهُ عنه -وكان سَيِّدَ قَومِه بني سَعدِ بنِ بكرٍ- جاء إلى المدينةِ لمُقابَلةِ النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ؛ ليَسأَلَه عن أركانِ الإسلامِ؛ ليَكونَ مُعلِّمًا لقَومِه بعْدَ رُجوعِه، فدخَلَ على النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ وأصحابِه وهم في المسجدِ، وكان ضِمامٌ على جمَلٍ، فأناخَهُ في المسجِدِ، وجعَلَه يَبرُكُ على الأرضِ، ثمَّ رَبَطَه حتى لا يَتحرَّكَ، ثمَّ قال لهم: أيُّكم محمَّدٌ؟ وكان النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ مُتَّكِئًا على فُرشٍ له بيْن القومِ لتواضُعِه، فأخبَرَه الصَّحابةُ رَضيَ اللهُ عنهم أنَّ الرجُلَ الأبيضَ المُتَّكئَ على الفراشِ هو النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، فَناداهُ ضِمامٌ: يا ابنَ عبدِ المُطَّلبِ، فنَسَبَه لجَدِّه، فقال له النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: «قد أجبْتُكَ»، أي: سَمِعْتُك، فسَلْ حتى أُجِيبَك، وإنَّما أجابَه عليه السَّلامُ بهذه العبارةِ؛ لأنَّه أخلَّ بما يَجِبُ مِن رِعايةِ غايةِ التَّعظيمِ والأدَبِ بإدخالِ الجَمَلِ في المسجِدِ، وخِطابُه بـ: «أيُّكم محمَّدٌ؟» وبابنِ عبدِ المطَّلبِ؟ فقال ضِمامٌ: إنِّي سائلُك فمُشدِّدٌ ومُغلِّظٌ عليك في السُّؤالِ، فلا تَحزَنْ ولا تَغضَبْ منِّي في نفْسِك، فقال النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: «سَلْ عمَّا بَدا لك» وما ظهَرَ لك مِن أسئلةٍ، فقال ضِمامٌ: أسأَلُك بربِّك وربِّ مَن قبْلِك؛ آللهُ أرسَلَك إلى الناسِ كلِّهم؟ فأجابَه النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: «اللَّهمَّ نَعَمْ»؛ إنَّ اللهَ أرْسَلَني بَشيرًا ونَذيرًا إلى كلِّ الناسِ، فاستحْلَفَ ضِمامٌ النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ باللهِ سُبحانه وتعالَى، وذكَّرَه به أنْ يُجِيبَه، هلْ أمَرَ اللهُ عِبادَه بالصَّلواتِ المكتوباتِ وبصَومِ رَمضانَ وبأخْذِ الزَّكاةِ المفروضةِ، وأنْ تُؤخَذَ هذه الصَّدَقَةُ مِن الأغْنِياء وتُعْطى للفُقَراءِ؟ فأجابَه رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ بقولِه: اللَّهمَّ نَعمْ، وهنا ما كان مِن ضِمامٍ إلَّا أنْ آمَن وأسلَمَ، بلْ وأخبَرَ النبيَّ الكريمَ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ أنَّه سيَدْعو قَومَه جَميعًا للإسلامِ.
ثمَّ عرَّف نفْسَه للنبيِّ وأنَّه ضِمامُ بنُ ثَعْلَبةَ مِن بَني سَعْدِ بنِ بَكْرٍ الذين استُرضِعَ فيهم النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ.
وفي الحديثِ: أنَّ الرَّجلَ يُعرَفُ بصِفتِه؛ مِن البَياضِ والحُمرةِ، والطُّولِ والقِصَر؛ لقولِهِم: فقُلْنا: هذا الرَّجلُ الأبيضُ.
وفيه: بَيانُ تَواضُعِ النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ وجُلوسِه بيْن أصحابِه ومعهم، ولا يَقومُ واحِدٌ منهم على رَأسِه، كما يَفعَلُ الأعاجمُ في غيرِ حاجةٍ.
وفيه: تَقديمُ الإنسانِ بين يدَيْ حَديثِه مُقدِّمةً يَعتذِرُ فيها؛ ليَحسُنَ مَوقعُ حَديثِه عندَ المُحدَّثِ.