‌‌مسند أنس بن مالك رضي الله تعالى عنه798

مسند احمد

‌‌مسند أنس بن مالك رضي الله تعالى عنه798

حدثنا يونس بن محمد، حدثنا حرب بن ميمون أبو الخطاب الأنصاري، عن النضر بن أنس، عن أنس قال: حدثني نبي الله صلى الله عليه وسلم: " إني لقائم أنتظر أمتي تعبر (1) الصراط، إذ جاءني عيسى فقال: هذه الأنبياء قد جاءتك يا محمد يسألون (2) - أو قال: يجتمعون إليك - ويدعون الله، أن يفرق بين (3) جمع الأمم، إلى حيث يشاء الله، لغم ما هم فيه فالخلق ملجمون في العرق. فأما المؤمن، فهو عليه كالزكمة، وأما الكافر فيتغشاه الموت ". قال: " قال عيسى: انتظر حتى أرجع إليك، قال: فذهب نبي الله صلى الله عليه وسلم حتى قام تحت العرش، فلقي ما لم يلق ملك مصطفى، ولا نبي مرسل، فأوحى الله إلى جبريل: أن اذهب إلى محمد فقل له: ارفع رأسك، سل تعط، واشفع تشفع. قال: فشفعت في أمتي، أن أخرج من كل تسعة وتسعين إنسانا واحدا، قال: فما زلت أتردد على ربي، فلا أقوم مقاما إلا شفعت، حتى أعطاني الله من ذلك، أن قال: يا محمد أدخل من أمتك من خلق الله، من شهد أنه لا إله إلا الله يوما واحدا مخلصا، ومات على ذلك " (4)

يومُ القيامةِ يومٌ عظيمٌ، وأهْوالُهُ ومَواقِفُهُ مُتعدِّدةٌ، منَ الحَشْرِ، وانتِظارِ الحِسابِ، والمرورِ على الصِّراطِ، ونحوِ هذه الغَيْبِياتِ التي أَخْبَرَنا عنها النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم،
وفي هذا الحديثِ يَصِفُ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم صُورًا مِن صُورِ يومِ القيامَةِ؛ {يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ} [المطففين: 6]، وقِيامُهُم فيه للهِ خاضِعينَ؛ فيقولُ أنسٌ رضِيَ اللهُ عنه عنِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: "إنِّي لَقائِمٌ أَنْتَظِرُ أُمَّتي تَعْبُرُ"، أي: تَمُرُّ على جِسْرِ الصِّراطِ، "إذْ جاءَ عيسى عليه السَّلامُ، قال: فقال هذه الأنبياءُ قد جاءَتْكَ يا مُحَمَّدُ! يَسْأَلونَ، أو قال: يَجْتَمِعونَ إليك"، أي: لِيَطْلُبوا مِنْكَ "تَدْعُو اللهَ أَنْ يُفَرِّقَ بين جمْعِ الأُمَمِ"، أي: يَفْصِلُ بينهم بالقَضاءِ "إلى حيثُ يَشاءُ؛ لعِظَمِ ما هُمْ فيه"، أي: لشِدَّةِ الحالِ والمَوقِفِ، "فالخَلْقُ مُلْجَمونَ في العَرَقِ"، أي: يَصِلُ العَرَقُ إلى أفْواهِهِم "فأما المُؤمِنُ فهو عليه كالزَّكْمَةِ"، أي: مِثْلَ الزُّكَامِ في الأَنْفِ "وأما الكافِرُ فيَتَغَشَّاهُ المَوْتُ"، أي: يُحيطُ به المَوْتُ من شِدَّةِ المَوقِفِ "قال: يا عيسى! انْتَظِرْ حتى أَرْجِعَ إليك، قال: وَذَهَبَ نبيُّ الله فقام تَحْتَ العَرْشِ"، أي: سَجَدَ تحتَ عَرْشِ الرَّحْمنِ جَلَّ وَعَلا "فَلَقِيَ ما لم يَلْقَ مَلَكٌ مُصْطَفًى، ولا نَبِيٌّ مُرْسَلٌ" والمُرادُ أنَّ اللهَ أَلْقَى عليه مِنَ المَحامِدِ والثَّناءِ ما يَدْعوهُ بها، وهي أُمورٌ لما يُعْطَها غَيْرُهُ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، "فأَوْحَى اللهُ إلى جِبريلَ عليه السَّلامُ: أَنِ اذْهَبْ إلى مُحَمَّدٍ فقُلْ له: ارْفَعْ رَأْسَكَ"، أي: مِنَ السُّجودِ والخُضوعِ للهِ "سَلْ تُعْطَهُ واشْفَعْ تُشَفَّعْ"، أي: اطْلُبْ ما شِئْتَ، فإنَّه مُجابٌ لك، واطْلُبِ الشَّفاعَةَ لمَنْ شِئْتَ، فإنَّ شَفاعَتَكَ مَقْبولةٌ فيهم، " قال: فَشَفَعْتُ في أُمَّتي" وهذه هي الدَّعْوَةُ المُسْتجابَةُ التي خَبَّأَها النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم وادَّخَرَها لأُمَّتِهِ في هذا اليوْمِ العَظيمِ "أَنْ أَخْرِجَ من كُلِّ تِسْعَةٍ وتِسْعينَ إِنْسانًا واحدًا، قال: فما زِلْتُ أتردَّدُ على رَبِّي، فلا أَقومُ فيه مُقامًا إلَّا شُفِّعْتُ، حتى أَعْطاني اللهُ من ذلك أنْ قال: أَدْخِلْ مِنْ أُمَّتِكَ مِن خَلْقِ اللهِ مَنْ شَهِدَ أنْ لا إِلَهَ إلَّا اللهُ يَوْمًا واحدًا مُخْلِصًا، وماتَ على ذلك"، أي: ماتَ على التَّوْحيدِ للهِ سُبْحانهُ.
وفي الحديثِ: شِدَّةُ هَوْلِ الموقِفِ يوْمَ القِيامَةِ.
وفيه إثْباتُ الشَّفاعَةِ لِلنَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يوْمَ القِيامَةِ.
وفيه: فَضلُ النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ على سائِرِ الأنبياءِ.