مسند أنس بن مالك رضي الله تعالى عنه974
مسند احمد
حدثنا بهز، وحدثنا حجاج، قالا: حدثنا سليمان بن المغيرة، عن ثابت، عن أنس، دخل علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم وما هو إلا أنا وأمي وأم حرام خالتي، قال: فقال: " قوموا فلأصلي لكم " في غير وقت صلاة. قال حجاج: قال: فصلى بنا صلاة، قال رجل من القوم لثابت: أين جعل أنسا؟ قال: جعله على يمينه، قال: ثم دعا لنا أهل البيت بكل خير من خير الدنيا والآخرة، قال: قالت أمي: يا رسول الله، خويدمك ادع الله له، قال: فدعا لي بكل خير، قال بهز بخير (1) وكان في آخر ما دعا به لي، قال: " اللهم أكثر ماله وولده وبارك له فيه "
مِن الأُمورِ الَّتي حَثَّ عليها الإسلامُ ورغَّب فيها: إجابةُ الدَّعوةِ؛ لِمَا في ذلك مِن إظهارِ الأُخوَّةِ والمَودَّةِ بيْنَ المُسلِمينَ، وكان النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم يُحسِنُ عِشرةَ أصحابِه؛ فيَزورُهم في بُيوتِهم ليُعلِّمَهم ويَدعُوَ لهم.
وفي هذا الحَديثِ يُخبِرُ أنسُ بنُ مالكٍ رَضِي اللهُ عنه أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم دخَلَ علَيهم البيتَ زائرًا، وما يُوجَدُ في البَيتِ إلَّا هو وأُمُّه -وهيَ أمُّ سُلَيمٍ- وخالَتُه أمُّ حَرامٍ، فقال لهُم النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم: «قُومُوا فلأُصلِّي بكُم»، وكانَ ذلكَ في غَيرِ وقْتِ صَلاةِ الفريضَةِ، وكان الصَّحابةُ رَضِي اللهُ عنهم يُحِبُّون أنْ يُصَلِّيَ لهم النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم في بُيوتِهم تَبرُّكًا به، فصَلَّى بهم رَكعتَينِ تطوُّعًا. فسَأل رجُلٌ ثابِتًا البُنانيَّ -الرَّاويَ عن أنَسٍ-: أينَ وقَفَ أنسٌ وهو يُصلِّي مع النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم، وعلى أيِّ جِهةٍ منه أقامَه؟ فأخبَرَه أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم جعَلَه جِهةَ يَمينِه صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم؛ لأنَّ مَوقفَ المأمومِ الواحدِ يكونُ عن يَمينِ الإمامِ، والنِّساءُ في صَفٍّ خلْفَهما.
ثمَّ دَعا النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم لأَهلِ بَيتِ أنس بكلِّ خيرٍ مِن خَيرَيِ الدُّنيا والآخرَةِ، فقالتْ أمُّ أَنسٍ: «يا رسولَ اللهِ، خُوَيدِمُكَ»، أي: غُلامُكَ الَّذي يَخدُمُكَ، وقالت: «خُوَيدِمُك» بالتَّصغيرِ على مَعنى التَّلطُّفِ والاستعطافِ، لا التَّحقيرِ، ولذلك قالت للنَّبيِّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم: «ادعُ اللهَ لَهُ»، ولعلَّ هذا الطَّلبَ منها ليكونَ دُعاؤه له مُكافأةً لإحسانِه إليك بالخدمةِ زمَنًا طَويلًا، فاستجاب النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم لطَلبِها، فدَعا له النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم بكلِّ خيرٍ، وكانَ في آخِرِ ما دَعا به أنْ قالَ: «اللَّهمَّ أكثِرْ مالَه وولدَه، وباركْ له فيهِ»، ووجَدَ أنسٌ بَرَكةَ دُعاءِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم في مالِه وولدِه؛ فكانَ أكثرَ الأنصارِ مالًا، ورأى مِن صُلبِه الكثيرَ مِن ولدِه؛ فقدْ روى البُخاريُّ عنه، أنَّه قال: «فَإِنِّي لَمِنْ أَكْثَرِ الأَنْصَارِ مَالًا، وحَدَّثَتْنِي ابْنَتِي أُمَيْنَةُ: أَنَّهُ دُفِنَ لِصُلْبِي مَقْدَمَ حَجَّاجٍ البَصْرَةَ بِضْعٌ وَعِشْرُونَ ومِائَةٌ»، وفي روايةِ مُسلمٍ: «وَإِنَّ وَلَدِي وَوَلَدَ وَلَدِي لَيَتَعَادُّونَ عَلَى نَحْوِ الْمِائَةِ، الْيَوْمَ».
وفي الحَديثِ: الدُّعاءُ بكثْرَةِ المالِ والولدِ.
وفيه: الدُّعاءُ بخيرِ الدُّنيا والآخرةِ؛ لأنَّ كلَّ ذلك بيَدِ اللهِ عزَّ وجلَّ.
وفيه: إيثارُ الولدِ على النَّفْسِ، وحُسنُ التَّلطُّفِ في السُّؤالِ.