مسند أنس بن مالك رضي الله تعالى عنه152
مسند احمد
حدثنا عبد الله بن إدريس قال: سمعت المختار بن فلفل قال: سألت أنس بن مالك عن الشرب في الأوعية، فقال: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن المزفتة، وقال: " كل مسكر حرام "، قال: قلت: وما المزفتة؟ قال: " المقيرة ". قال: قلت: فالرصاص والقارورة؟ قال: " ما بأس بهما " قال: قلت: فإن ناسا يكرهونهما، قال: " دع ما يريبك إلى ما لا يريبك، فإن كل مسكر حرام ". قال: قلت له: صدقت السكر حرام، فالشربة والشربتان على طعامنا. قال: " ما أسكر كثيره، فقليله حرام " (1) ، وقال: " الخمر من العنب، والتمر، والعسل، والحنطة، والشعير، والذرة، فما خمرت من ذلك فهي الخمر " (2)
جاءتِ الشريعةُ الإسلاميَّةُ بكلِّ ما يَنفَعُ الناسَ في دُنياهم وأُخراهم، فنَهتْ عن كل ما يُغيِّبُ العَقلَ ويُسبِّبُ الإِسْكارَ، أو يُضيِّعُ المالَ، أو يُؤدِّي إلى الضَّرر.
وفي هذا الحديثِ يقولُ النبيُّ صلَّى اللهُ علَيهِ وسلَّم: "إنَّ الخمرَ مِن العَصيرِ"، أي: أيًّا كانَ نوعُ هذا العَصيرِ فإذا ما تخمَّرَ فهوَ مَنهيٌّ عَنه، والخمرُ: هيَ كلُّ ما سَترَ العقلَ وغيَّبَه، "والزَّبيبِ والتَّمرِ والحِنْطةِ والشَّعيرِ والذُّرةِ"، أي: كذلكَ وما يُستخرَجُ مِن خَمرٍ مِن تلكَ الأنواعِ، وخصَّها بالذِّكرِ؛ لأنَّ الخَمرَ كانَ يُستخرَجُ مِنها في ذلك الوقتِ. ثمَّ قالَ النبيُّ صلَّى اللهُ علَيهِ وسلَّم: "وإنِّي أنْهاكُم عَن كُلِّ مُسكِرٍ"، أي: إنَّ النهيَ لا يَشملُ تِلكَ الأنواعِ فقطْ، بل النَّهي يَشملُ كلَّ ما يُسبِّبُ إسكارَ العقلِ وتَغيِيبَه؛ فيَدخُل فيه جميعُ أنواعِ المُسكِرات، حتَّى وإنْ سُمِّيتْ بغيرِ أسمائِها كالتي تُسمَّى المشروباتِ الرُّوحيَّة، طالما كان فيها عِلَّةُ الإسكارِ؛ إذ الحِكمُ يَدورُ مع العِلَّةِ وجودًا وعدمًا..