مسند جابر بن عبد الله رضي الله عنه 346
مسند احمد
حدثنا أبو بكر الحنفي، حدثنا الضحاك بن عثمان، حدثني شرحبيل، عن جابر قال: «قام النبي صلى الله عليه وسلم يصلي المغرب، فجئت، فقمت إلى جنبه عن يساره، فنهاني، فجعلني عن يمينه، فجاء [ص:379] صاحب لي، فصففنا خلفه، فصلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في ثوب واحد مخالفا بين طرفيه»
هذا الحديثُ يُوضِّحُ بعضَ أفعالِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم في السَّفَرِ؛ مِنَ الرِّفْقِ بالمُسافِرِ والدَّوابِّ، ويُوضِّحُ هيْئةَ صَلاةِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم في بعضِ أَسْفارِه، حيث يقولُ جابِرُ بنُ عبدِ الله رَضِي اللهُ عنهما: «كنتُ مع رَسولِ الله صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم في سَفَرٍ، فانْتَهَيْنا إلى مَشْرَعَةٍ»، والمَشْرَعةُ: الطَّريقُ إلى عُبورِ الماءِ مِن حافَةِ نَهْرٍ أو بَحْرٍ وغيرِه، فقال له النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم: «ألَا تُشرِعُ يا جابِرُ؟» والإشراعُ: هو الشُّربُ بالفَمِ مُباشَرةً أو الأخذُ باليَدِ مِن الماءِ دونَ آلةٍ مِن إناءٍ أو غيرِه، ويكونُ الأخذُ بالفَمِ لِسَقْيِ الحَيَوانِ أكثَرَ، ورُبَّما شَرِبَ الإنسانُ كذلك أو أخَذَ بيَدِه، يَحُثُّه النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم أنْ يَأتِيَ المَشرَعةَ فيَقْضيَ مِن الماءِ حاجتَه، ويَشرَبَ منها، ويَسقِيَ دَوابَّه، وهذا مِن رِفْقِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم بالنَّاسِ والدَّوَابِّ في السَّفَرِ؛ ليَسترِيحوا ويَشرَبوا ويَسْقوا دَوابَّهم، فنزَلَ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم عن دابَّتِه، وشَرِب جابرٌ وسَقى الدَّابَّةَ، ثُمَّ ذهَب النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم إلى مَكانٍ بَعيدٍ لِقضاءِ حاجتِه مِن البَولِ والغائطِ، فأعدَّ له جابرٌ رَضِي اللهُ عنه ماءً للتَّطهُّرِ والوضوءِ، فلمَّا قَضى النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم حاجتَه جاء فتَوضَّأَ، ثُمَّ قام النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم، فصَلَّى في ثَوبٍ واحدٍ، و«خَالَفَ بيْنَ طَرَفَيْهِ»، أي: أخَذَ طرَفَ الثَّوبِ الَّذي ألْقاهُ على كَتِفِه الأيمنِ مِن تحْتِ يَدِه اليُسرى، وطرَفَه الَّذي ألقاهُ على كَتِفِه الأيسرِ مِن تحْتِ يَدِه اليُمنى، ثمَّ عَقَدهما على صَدرِه ليَتماسَكَ الثَّوبُ ولا يَسقُطُ
ثمَّ جاء جابرٌ رَضِي اللهُ عنه فقام للصَّلاةِ خلْفَ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم، فأَخَذ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم بِطَرَفِ أُذُنِ جابرٍ وأمسَكَه منها وسَحَبه وأوقَفَه عن يَمينِه، وهو مَوْقِفُ الإمامِ والمأمومِ عندَ صَلاةِ الاثنينِ جَماعةً فرْضًا أو نافلةً
وفي الحديثِ: الصَّلاةُ في الثَّوبِ الواحدِ
وفيه: بَيانُ خِدمةِ الصَّحابة رَضِي اللهُ عنهم للنَّبيِّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم