مسند عبد الله بن العباس بن عبد المطلب ، عن النبي صلى الله عليه وسلم 163
حدثنا وكيع، حدثنا سفيان، عن آدم بن سليمان، مولى خالد بن خالد، قال: سمعت سعيد بن جبير، عن ابن عباس، قال: لما نزلت هذه الآية: {إن تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه يحاسبكم به الله} [البقرة: 284] ، قال: دخل قلوبهم منها شيء لم يدخل قلوبهم من شيء، قال: فقال النبي صلى الله عليه وسلم: " قولوا: سمعنا وأطعنا وسلمنا "، فألقى الله الإيمان في قلوبهم، فأنزل الله عز وجل: {آمن الرسول بما أنزل إليه من ربه والمؤمنون كل آمن بالله وملائكته وكتبه ورسله، لا نفرق بين أحد من رسله وقالوا سمعنا وأطعنا غفرانك ربنا وإليك المصير، لا يكلف الله نفسا إلا وسعها لها ما كسبت وعليها ما اكتسبت ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا ربنا ولا تحمل علينا إصرا كما حملته على الذين من قبلنا ربنا ولا تحملنا ما لا طاقة لنا به واعف عنا واغفر لنا وارحمنا أنت مولانا فانصرنا على القوم الكافرين} [البقرة: 285-286]
كان الصحابة رضي الله عنهم يسارعون في الاستجابة لأوامر الله عز وجل وأوامر نبيه صلى الله عليه وسلم
وفي هذا الحديث يروي عبد الله بن عباس رضي الله عنهما أنه لما نزلت هذه الآية: {وإن تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه يحاسبكم به الله} [البقرة: 284]، أي: إن ما تظهروه من أعمال السيئات أو مجرد العزم عليها في سركم وإن لم تفعلوه؛ فإنكم محاسبون به، «دخل قلوبهم منها شيء لم يدخل قلوبهم من شيء»، أي: بمثل الذي دخلها من هذه الآية، والمراد أنهم خافوا خوفا شديدا، واشتد ذلك عليهم، وكأنهم مع خوفهم قالوا: كيف نحاسب بما أخفينا ولم نتكلم به ولم يظهر؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم مرشدا لهم إلى الخير والطاعة، «قولوا: سمعنا وأطعنا وسلمنا»، أي: سمعنا واستجبنا لقولك يا ربنا، وأسلمنا أنفسنا لأوامرك، «فألقى الله الإيمان في قلوبهم»، أي: وفقهم الله بذلك للإيمان الكامل والتسليم لأمر الله، وهداهم إلى الحق والخير، فأنزل الله تعالى: {لا يكلف الله نفسا إلا وسعها} [البقرة: 286]، أي: فرفعت هذه الآية المؤاخذة على ما في النفوس، ونسخ الله سبحانه وتعالى بها قوله: {أو تخفوه}، فما كان من وساوس الصدور فهو معفو عنه ما لم يتكلم المسلم أو يعمل به، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم في رواية الصحيحين: «إن الله تجاوز عن أمتي ما حدثت به أنفسها ما لم تتكلم أو تعمل به»، {لها ما كسبت وعليها ما اكتسبت} فلكل نفس ما عملته من الخير فتجازى به، وعليها ما عملته من الإثم والشر فتجازى به، ثم ألهمهم الله الدعاء والتوبة والإنابة، فقالوا: {ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا} [البقرة: 286]، فلا تعاقبنا بما نسيناه وغفلنا عنه وما أخطأنا به في حقك وحق نبيك مما دار في قلوبنا من الخوف والامتعاض، فاستجاب الله لهم فقال: «قد فعلت»، أي: غفرت لكم ذلك، ثم دعوا الله فقالوا: {ولا تحمل علينا إصرا كما حملته على الذين من قبلنا} [البقرة: 286]، والإصر هو الذنب والإثم، قال الله: «قد فعلت»، ثم دعوا الله فقالوا: {واغفر لنا وارحمنا أنت مولانا} [البقرة: 286]، قال الله: «قد فعلت»، وهذا من عظيم فضل الله على المؤمنين الذين يخضعون لأمره، ويسلمون لحكمه، أما الذين قالوا: سمعنا وعصينا، فقد حمل الله عليهم الإثم والذنب، وعاقبهم به في الدنيا قبل الآخرة
وفي الحديث: شدة تعظيم الصحابة رضي الله عنهم لأمر الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم.
وفيه: أن الله سبحانه وتعالى لا يحملنا ما لا طاقة لنا به، ولا يكلفنا إلا وسعنا، وأن الوساوس التي تجول في صدورنا إذا لم نركن إليها، ولم نطمئن إليها، ولم نأخذ بها -فإنها لا تضر.
وفيه: أن الله تجاوز لأمة محمد صلى الله عليه وسلم عما حدثت به أنفسها ما لم تتكلم أو تعمل به.
وفيه: ثبوت النسخ في القرآن الكريم، وأن من القرآن ما يقرأ ولكن نسخ حكمه فلا يعمل به.