مسند جابر بن عبد الله رضي الله عنه 808
مسند احمد
حدثنا روح، حدثنا محمد بن حفصة، حدثنا ابن شهاب، عن أبي سلمة بن عبد الرحمن، عن جابر بن عبد الله، قال: حبس الوحي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في أول أمره وحبب إليه الخلاء، فجعل يخلو في حراء، فبينما هو مقبل من حراء: «إذا أنا بحس من فوقي، فرفعت رأسي، فإذا الذي أتاني بحراء فوق رأسي على كرسي» ، قال: " فلما رأيته جئثت على الأرض فلما أفقت، أتيت أهلي مسرعا، فقلت: دثروني، دثروني، فأتاني جبريل فقال: {يا أيها المدثر، قم [ص:281] فأنذر، وربك فكبر، وثيابك فطهر، والرجز فاهجر} [المدثر: 2] "
كان النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ دائمَ التَّبشيرِ لأصحابِه بعُمومِ الخيرِ في الدُّنيا والآخرةِ، وقدْ أثْنى على بعضِ الصَّحابةِ بالاسمِ وبَشَّر بعضَهم بالجنَّةِ؛ لِما لهم مِن مَكانةٍ وسَبْقٍ في الإسلامِ
وفي هذا الحديثِ يَرْوي أبو هُرَيرةَ رَضيَ اللهُ عنه أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ كانَ عَلى جَبلِ حِراءٍ، وهوَ جَبلٌ مَعروفٌ بمَكَّةَ يَبعُدُ عنها 5كم تَقريبًا، وكان معه بعضُ أصحابِه، فتَحرَّكَ الجَبلُ واهتَزَّ بهم، فَقال صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: «اسْكُنْ»، أي: اهْدأْ «حِراءُ؛ فَما عَليكَ إلَّا نَبيٌّ أو صِدِّيقٌ أو شَهيدٌ»، وكان عَليه النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، وأَبو بَكرٍ الصِّدِّيقُ، وعُمرُ بنُ الخطَّابِ، وعُثمانُ بنُ عفَّانَ، وعَليُّ بنُ أبي طالبٍ، وطَلحَةُ بنُ عُبيدِ اللهِ، والزُّبيرُ بنُ العوَّامِ، وسَعدُ بنُ أَبي وَقَّاصٍ رَضيَ اللهُ عنهم
وهذه شَهادةٌ مِن النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ لأَبي بَكرٍ بالصِّدِّيقيَّةِ ولِلباقينَ بالشَّهادَةِ؛ فجَميعُهم مِن عُمرَ إلى الزُّبيرِ ماتُوا شُهداءَ، إلَّا سَعدًا فقدْ مات على فِراشِه، وقدْ سُمِّيَ شَهيدًا؛ لأنَّه مَشهودٌ له بالجنَّةِ، فأثبَتَ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ الشَّهادةَ لبَعضِهم حَقيقةً، وللآخَرِين حُكمًا
وفي الحَديثِ: أنَّ الصِّدِّيقَ أَفضَلُ منَ الشَّهيدِ؛ لأنَّه قَدَّمه عَليه، وجَعلَه مَرتبَةً بَين النُّبوَّةِ والشَّهادةِ
وفيه: بَيانُ فَضائلِ هؤلاء الصَّحابةِ رَضيَ اللهُ عنهم
وفيه: التَّزكيةُ والثَّناءُ على الإنسانِ في وَجهِه إذا لم يُخَفْ عليه فِتنةٌ بإعجابٍ ونحوِه