حدثنا محمد بن يزيد وهو الواسطي، حدثنا محمد بن إسحاق، عن العلاء بن عبد الرحمن، عن أبيه، عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " يقول الله: استقرضت عبدي فلم يقرضني، ويشتمني عبدي، وهو لا يدري، يقول: وادهراه، وادهراه، وأنا الدهر "
اللهُ ربُّ السَّمواتِ والأرضِ، وهو خالِقُ المَكانِ والزَّمانِ، وهو على كلِّ شَيءٍ قَدِيرٌ، ويَجِبُ أنْ يكونَ له مِن التَّقدِيسِ والتَّعظيمِ في نُفُوسِ الخَلْقِ ما يُعبِّر عن عَظيمِ الامتِنانِ له سُبحانَه
وفي هذا الحديثِ يقولُ رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: "إنَّ اللهَ عزَّ وجلَّ يقولُ: اسْتَقْرَضْتُ عَبْدي"، أي: طلَبْتُ منه أنْ يُقرِضَني المالَ، وتَنزَّهَ اللهُ أنْ يَطلُبَ المالَ لِنَفْسِه، ولكنَّه أمَرَ الأغْنياءَ بإعطاءِ الفُقراءِ، ووَعَدَهم على ذلك الأجْرَ العَظيمَ، وهو في مَعنى قولِه سُبحانَه: {مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفَهُ لَهُ أَضْعَافًا كَثِيرَةً} [البقرة: 245]، "فلمْ يُقْرِضْني" بأنْ بَخِلَ بما رَزَقَه اللهُ به، فلمْ يُنفِقْ ولم يُعْطِ الفُقراءَ كما أمَرَه اللهُ، "وسَبَّني عَبْدي ولا يَدْري" بِأنْ يَنسُبَ إلَيَّ ما لا يَليقُ بِجَلالي، فيَشتُمَ الزَّمانَ قَلَّ أو كَثُرَ، فَيَقولَ إذا أصابَهُ مَكروهٌ عِندَ النَّوازِلِ والحَوادِثِ والمَصائِبِ النَّازِلةِ به؛ مِن مَوتٍ عَزيزٍ، أو هَرَمٍ، أو تَلَفِ مالٍ، أو غيرِ ذلِكَ: "وا دَهْراهُ، وا دَهْراهُ"؛ تَعَجُّبًا وسَخَطًا على الدَّهرِ، ومِثلُ ذلك قَولُ القائلِ: يا خَيْبةَ الدَّهرِ، أو بُؤسًا لِلدَّهرِ، وَتَبًّا لَهُ، ونحوُ ذلك. "وأنا الدَّهرُ"، أي: خالِقُهُ، بيَدِيَ الأمْرُ الَّذي يَنسُبونَهُ إلى الدَّهرِ، وكان النَّاسُ يَسُبُّون الدَّهرَ على أنَّه هو المُلِمُّ بهمْ في المَصائبِ والمَكارِهِ، ويُضِيفونَ الفِعلَ فيما يَنالُهم منْها إليه، ثمَّ يَسُبُّون فاعِلَها، فيَكونُ مَرجِعُ السَّبِّ في ذلك إلى اللهِ سُبحانه؛ إذ هو الفاعلُ لها، فقِيل على ذلك: لا تَسُبُّوا الدَّهْرَ؛ فإنَّ اللهَ هو الدَّهرُ، أي: إنَّ اللهَ هو الفاعلُ لِهذه الأُمورِ. وفي الحديثِ: دَعوةٌ لِلتَّأدُّبِ مع اللهِ سُبحانه في القَولِ والاعتِقادِ
وفيه: دَعوةٌ لِلإنفاقِ في سَبيلِ اللهِ، وإقراضِ مَن يحتاجُ القرضَ الحَسنَ