‌‌مسند أبي بكر الصديق رضي الله عنه 25

‌‌مسند أبي بكر الصديق رضي الله عنه 25

حدثنا روح، قال: حدثنا شعبة، عن يزيد بن خمير، قال: سمعت سليم بن عامر - رجلا من أهل حمص، وكان قد أدرك أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم (3) ، وقال مرة: قال -: سمعت أوسط البجلي
عن أبي بكر الصديق، قال: سمعته يخطب الناس - وقال مرة: حين استخلف - فقال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قام عام الأول مقامي هذا - وبكى أبو بكر رضي الله عنه - فقال: " أسأل (4) الله العفو والعافية، فإن الناس لم يعطوا بعد اليقين شيئا خيرا من العافية، وعليكم بالصدق، فإنه في الجنة، وإياكم والكذب، فإنه مع الفجور، وهما في النار، ولا تقاطعوا ولا تباغضوا، ولا تحاسدوا، ولا تدابروا، وكونوا إخوانا كما أمركم الله عز وجل "

الصِّدقُ مِن أنبَلِ الأخلاقِ وأعْلاها قَدْرًا، ومِن أعْظمِ الأسبابِ للفَوزِ والنَّجاةِ في الدَّارَينِ، ولأهميَّةِ الصِّدقِ، وعُلُوِّ دَرَجتِه، وعَظيمِ أثَرِه؛ حَثَّنَا اللهُ تعالَى عليه، كما في قولِه تعالَى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ} [التوبة: 119].
وفي هذا الحديثِ يُعلِّمُنا الرَّسولُ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أنْ نكونَ صادقينَ مُحبِّينَ لِلصِّدقِ،

ويُخبِرُ بأجْرِ الصَّادِقينِ ومَنزِلتِهم؛ لِيَحمِلَنا على التِزامِه، فيُخبِرُ أنَّ الصِّدقَ يُوصِلُ إلى الخَيراتِ كُلِّها، فالبِرُّ هو اسمٌ جامِعٌ لِلخَيرِ كُلِّه، والصِّدقُ يُطلَقُ على صِدقِ اللِّسانِ، وهو نقيضُ الكَذِبِ،

والصِّدقِ في النِّيَّةِ، وهو الإخلاصُ، والصِّدقِ في العَزمِ على خيرٍ نواه، والصِّدقِ في الأعمالِ،

وأقَلُّه استواءُ سَريرتِه وعلانيَتِه، والصِّدقِ في المقاماتِ، كالصِّدقِ في الخوفِ والرَّجاءِ وغيرهما، فمن اتَّصَف بذلك كان صِدِّيقًا، أو ببَعْضِها كان صادقًا. وأخبَرَ أنَّ البِرَّ يُوصِلُ إلى الجَنَّةِ،

ومِصداقُ ذلك في كتابِ اللهِ تعالى: {إِنَّ الْأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ} [الانفطار: 13]،

وأنَّ الرَّجُلَ ليَصدُقُ في السِّرِّ والعَلانيةِ، ويَقصِدُه، ويجتَنِبُ نقيضَه الذي هو الكَذِبُ،

فيكونُ الصِّدقُ غالِبَ حالِه، حتى يَبلُغَ في الصِّدقِ غايَتَه ونِهايَتَه،

فيَدخُلَ في زُمرةِ الصَّادِقينَ، ويَستَحِقَّ ثَوابَهم.
ثمَّ نَفَّرَ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم مِنَ الكَذِبِ -وهو قولُ الباطِلِ،

والإخبارُ على غَيرِ ما هو في الواقِعِ، وأعظَمُه: الكَذِبُ على اللهِ تعالَى،

وعلى رَسولِه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم-، ويُبَيِّنُ عاقِبةَ مَن تَخَلَّقَ به،

فيُخبِرُ بأنَّ الكَذِبَ يُوصِلُ إلى الفُجورِ الذي هو ضِدُّ البِرِّ، وهو المَيلُ عن الاستِقامةِ.

وقيلَ: الفُجورُ: الانبِعاثُ في المَعاصي،

وأنَّ الفُجورَ يُوصِلُ إلى النَّارِ، وأنَّ الرَّجُلَ يَكذِبُ ويَتكَرَّرُ ذلك منه حتَّى يُكتَبَ عِندَ اللهِ كَذَّابًا،

ويُحكَمَ له بذلك.
وفي الحَديثِ: الترغيبُ في الصِّدقِ، والتحذيرُ مِنَ الكَذِبِ.