مسند أبي هريرة رضي الله عنه 774

مسند احمد

مسند أبي هريرة رضي الله عنه 774

 حدثنا سفيان بن عيينة، قال إسماعيل بن أبي خالد: عن قيس، قال: نزل علينا أبو هريرة بالكوفة، قال: فكان بينه وبين مولانا قرابة - قال سفيان: وهو مولى الأحمس -، فاجتمعت أحمس، قال [ص:367] قيس: فأتيناه نسلم عليه - وقال سفيان مرة: فأتاه الحي -، فقال له أبي: يا أبا هريرة، هؤلاء أنسباؤك أتوك يسلمون عليك، وتحدثهم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم. قال: مرحبا بهم وأهلا، صحبت رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاث سنين، لم أكن أحرص على أن أعي الحديث مني فيهن، حتى سمعته يقول: «والله لأن يأخذ أحدكم حبلا فيحتطب على ظهره، فيأكل ويتصدق، خير له من أن يأتي رجلا أغناه الله عز وجل من فضله، فيسأله، أعطاه أو منعه»

مدَحَ اللهُ عزَّ وجلَّ في كِتابِهِ المَساكينَ الَّذين لا يَسأَلونَ النَّاسَ شَيئًا، وأكَّدَ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم ذلِكَ المَعْنى في ذَمِّهِ للسُّؤالِ والمسألةِ، ومَذَمَّةِ أخْذِ ما للنَّاسِ بالباطِلِ
 كما يُبيِّنُ هذا الحَديثَ "والَّذي نَفْسي بيَدِهِ" أقسَمَ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم باللهِ الَّذي رُوحُه بيدِهِ؛ وهذا لِتَأكيدِ الأمْرِ، وبَيانِ شِدَّتِهِ وأهمِّيَّتِهِ، ثُمَّ قالَ: "لأنْ يأخُذَ أحَدُكُم حَبْلَهُ، فيَذهَبَ إلى الجَبَلِ، فيَحتَطِبَ" فيَجمَعَ الحَطَبَ وفُروعَ الأشْجارِ الجافَّةِ "ثُمَّ يأتيَ به يَـحمِلُهُ على ظَهْرِهِ، فيَبيعُهُ، فيَأكُلُ" من ثَمَنِ ما باعَهُ من عَمَلِ يَدِهِ "خَيرٌ له من أنْ يَسأَلَ النَّاسَ" يَطلُبُ منهم الصَّدَقةَ أو المالَ؛ لِيَعيشَ به، فالعَمَلُ مهما يكُنْ نوعُهُ فهو أفضَلُ مِن سُؤالِ النَّاسِ، وإراقةِ ماءِ الوَجهِ لهم، وأنَّه مهما يكُنْ شاقًّا عنيفًا، فهو أرحَمُ مِن مَذَلَّةِ السُّؤالِ، "ولأنْ يأخُذَ تُرابًا، فيَجعَلَهُ في فيه"؛ لِيسُدَّ جُوعَهُ "خَيرٌ له من أنْ يَـجعَلَ في فيه ما حرَّمَ اللهُ عليه" من المالِ الحَرامِ، أو الطَّعامِ الحَرامِ الَّذي يَجمَعُهُ بأيِّ وَسيلةٍ، وهذا كُلُّه مِن التَّهْويلِ والتَّشْنيعِ لأمْرِ مَسْأَلةِ النَّاسِ، وأخْذِ أمْوالِهِم بغَيرِ وَجهِ حَقٍّ؛ لأنَّ فيها إذْلالًا للنَّفسِ، وتَضْييعًا للهَيْبةِ، والمُسلِمُ مَأمورٌ بألَّا يُذِلَّ نفْسَهُ، ثُمَّ فيها أخْذٌ لأمْوالِ النَّاسِ بالباطِلِ دُونَ وَجهِ حَقٍّ، ودُونَ ضَرورةٍ مُلجِئةٍ إلى الطَّلَبِ منهم، واللهُ سُبحانَهُ هو الخالِقُ والرَّازقُ والقادِرُ على تَلبيةِ حاجاتِ عِبادِهِ، ولا يَعظُمُ عليه شَيءٌ، وهو الأَوْلَى بأنْ يُسأَلَ ويُطلَبَ منه كُلُّ شَيءٍ، وهذا تَوضيحٌ مِن النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم لِتَربيةِ المُسلِمينَ على العِفَّةِ، والتَّوجُّهِ إلى اللهِ تَعالَى في كُلِّ أُمورِهم وحاجاتِهِم