مسند جابر بن عبد الله رضي الله عنه 895
مسند احمد
حدثنا حسين بن محمد، حدثنا الفضيل يعني ابن سليمان، حدثنا محمد بن أبي يحيى، عن الحارث بن أبي يزيد، عن جابر بن عبد الله الأنصاري، أن قوما قدموا المدينة مع النبي صلى الله عليه وسلم، وبها مرض فنهاهم النبي صلى الله عليه وسلم أن يخرجوا حتى يأذن لهم فخرجوا بغير إذنه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إنما المدينة كالكير تنفي الخبث، كما ينفي الكير خبث الحديد»
المَدينةُ النَّبويَّةُ مَكانٌ طَهَّرَه اللهُ مِنَ الأدناسِ، وفيه مُهاجَرُ رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ ومَسجِدُه وقَبرُه، وقد فَضَّلَ اللهُ هذه المَدينةَ ببَعضِ المزايا، فقد بارَكَ في أقواتِها وفي أهلِها وذراريِّها، كما جَعَلَ عليها مَلائِكةً يَحرُسونَها مِنَ الدَّجَّالِ
وفي هذا الحَديثِ يَروي جابِرُ بنُ عَبدِ اللهِ رَضيَ اللهُ عنهما: "أنَّ قَومًا قَدِموا المَدينةَ مع النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، وبها مَرَضٌ" وكأنَّ تَغَيُّرَ المُناخِ عِندَ هِجرَتِهم إلى المَدينةِ كانَ سَبَبًا في مَرَضِهم ووَجَعِهم؛ لِأنَّ مِن مُوجِباتِ الإسلامِ آنَذاكَ الهِجرةَ إلى المَدينةِ، وكانوا قد طَلَبوا مِنَ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ عِندَ مَرَضِهم هذا الخُروجَ مِنَ المَدينةِ؛ ظَنًّا منهم أنَّ في ذلك ذَهابَ مَرَضِهم، "فنَهاهمُ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ أنْ يَخرُجوا حتى يأذَنَ لهم، فخَرَجوا بغَيرِ إذْنِه" فلم يَستَجيبوا لِنَهيِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، فقالَ رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: "إنَّما المَدينةُ كالكيرِ؛ تَنفي الخَبَثَ، كما يَنفي الكيرُ خَبَثَ الحَديدِ" والكيرُ هو الجِلدُ الذي يَنفُخُ به الحَدَّادُ على النارِ، وقالَ أكثَرُ أهلِ اللُّغةِ: هو دارُ الحَدَّادِ نَفْسِه، فبهذا الكيرِ تَكونُ تَنقيةُ الحَديدِ مِن وَسَخِه بالنارِ، وكذلك تَفعَلُ المَدينةُ، فتُنَقِّي نَفْسَها مِن أمثالِ هذا، حتى يَنصَعَ طيبُها ويَخلُصَ ويَفوحَ، وهو مَثَلٌ لإيمانِ المُؤمِنينَ فيها مِمَّن سَكَنَها مِنَ المُؤمِنينَ الصَّادِقينَ. وليس مِن ذلك خُروجُ بَعضِ الصَّحابةِ والأخيارِ مِنَ المَدينةِ؛ لِأنَّهم لم يَخرُجوا كَراهةً لها، أو رَغبةً عن ثَوابِ السَّاكِنِ فيها، وإنَّما خَرَجوا لِمَصالِحَ شَرعيَّةٍ أُخرى مَحمودةٍ، كالغَزوِ ونَشرِ العِلْمِ، وانتِفاءِ عِلَّةِ الهِجرةِ إلى المَدينةِ بفَتحِ مَكةَ
وفي الحَديثِ: بَيانُ فَضلِ المَدينةِ، وأنَّها مُطَهَّرةٌ مِنَ الأدْناسِ والفَسَقةِ