مسند عبد الله بن العباس بن عبد المطلب، عن النبي صلى الله عليه وسلم 661
حدثنا إسحاق، حدثنا أبو الأحوص، عن سماك بن حرب، عن عكرمة، عن ابن عباس، قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم، إذا أراد أن يخرج في سفر قال: " اللهم أنت الصاحب في السفر، والخليفة في الأهل، اللهم إني أعوذ بك من الضبنة في السفر، والكآبة في المنقلب، اللهم اقبض لنا الأرض، وهون علينا السفر " (1)
السفر فيه المشقة والعناء، ومن رحمة الله سبحانه أن خلق لعباده ومما وفقهم لصنعه: ما يركبونه في البحر من السفن، وفي البر من الإبل والخيل والسيارات، وفي الجو من الطائرات، فتحملهم على ظهورها للوصول إلى غاياتهم بلا عناء ومشقة، فإذا استقروا عليها تذكروا نعمة الله تعالى عليهم بتيسيره وتذليله لهم تلك المراكب
وفي هذا الحديث يعلم عبد الله بن عمر رضي الله عنهما بعض أصحابه دعاء السفر؛ فأخبرهم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا ركب واستقر على ظهر بعيره -وهو الجمل، ويدخل فيه كل أنواع الدواب التي تركب والوسائل الحديثة- خارجا من المدينة إلى سفر ما، يذكر الله ويقول: «الله أكبر»، ثلاث مرات، وتكبيره صلى الله عليه وسلم عند الاستواء والارتفاع فوق الدابة استشعار لكبرياء الله عز وجل، وأنه أكبر من كل شيء، فيكبره ليشكر له ذلك، فيزيده من فضله. ثم يقول: «سبحان الذي سخر لنا هذا» فجعله منقادا لنا، والإشارة إلى المركوب، «وما كنا له مقرنين»، فما كنا نطيق قهره واستعماله لولا تسخير الله سبحانه وتعالى إياه لنا، «وإنا إلى ربنا لمنقلبون»، أي: وإنا إلى ربنا من بعد مماتنا لصائرون إليه راجعون، فإن الإنسان لما ركب مسافرا على ما ذلله الله له، كأنه يتذكر السفر الأخير من هذه الدنيا، وهو سفر الإنسان إلى الله عز وجل إذا مات، وحملته الناس على أعناقهم
ثم بعد ذلك أثنى النبي صلى الله عليه وسلم على الله ودعاه؛ فقال: «اللهم إنا نسألك في سفرنا هذا البر والتقوى»، والبر: هو التزام الطاعة، والتقوى: البعد عن المعصية، فيمتثل الأوامر ويجتنب النواهي، ثم سأل ربه أن يرزقه من العمل ما يرضى به عنه، ثم سأله تهوين السفر وهو تيسيره، وأن يقرب له مسافة ذلك السفر. ثم أتبع دعاءه بقوله: «اللهم أنت الصاحب في السفر»، يعني تصحبني في سفري، فتيسره وتسهله علي، «والخليفة في الأهل» من بعدي، فتحوطهم برعايتك وعنايتك؛ فهو جل وعلا مع الإنسان في سفره، وخليفته في أهله؛ لأنه جل وعلا بكل شيء محيط
ثم استعاذ صلى الله عليه وسلم من بعض ما يصيب الإنسان في السفر، ومنها «وعثاء السفر»، وهي شدته ومشقته وتعبه، «وكآبة المنظر»، وهي تغير الوجه كأنه مرض، والنفس بالانكسار مما يعرض لها فيما يحبه مما يورث الهم والحزن، وقيل: المراد منه الاستعاذة من كل منظر يعقب الكآبة عند النظر إليه، «وسوء المنقلب»؛ وذلك أن يرجع فيرى في أهله وماله ما يسوؤه. وفي حديث عبد الله بن سرجس رضي الله عنه -في صحيح مسلم ومسند أحمد- أنه كان يبدأ بالأهل إذا رجع فيقول: «وسوء المنظر في الأهل والمال»، بدل «المال والأهل». وفيه أيضا: أن النبي صلى الله عليه وسلم استعاذ من الحور بعد الكور، يعني: من النقصان بعد الزيادة وتغير الحال من الطاعة إلى المعصية، وتعوذ أيضا من دعوة المظلوم، أي: أعوذ بك من الظلم؛ فإنه يترتب عليه دعاء المظلوم؛ فإنه ليس بينه وبين الله حجاب، كما في الصحيحين
وكان إذا رجع قال تلك الجمل المذكورة، وقال بعدهن: «آيبون»، أي: نحن راجعون من السفر بالسلامة، «تائبون» من المعصية إلى الطاعة، «عابدون، لربنا حامدون»، أي: مثنون عليه تعالى بصفات كماله وجلاله، وشاكرون له على نعمه وأفضاله. والمعنى: أننا في طريق عودتنا إلى بلدنا وموطننا وأهلنا، وقد عقدنا العزم على العودة إلى الله، والتوبة الصادقة المقترنة بالأعمال الصالحة؛ من الشكر لله، والمواظبة على عبادته، والتقرب إليه بالصلاة، وكثرة السجود
فهو صلى الله عليه وسلم في كل حاله يتذكر العبادة، وأنه عبد لله سبحانه وتعالى
وفي الحديث: الترغيب في ذكر الله تعالى عند السفر والرجوع منه