مسند عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما444
مسند احمد
حدثنا عبيدة (5) بن حميد أبو عبد الرحمن، حدثني عطاء بن السائب، عن أبيه، عن عبد الله بن عمرو، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " يا عبد الله بن عمرو، في كم تقرأ القرآن؟ " قال: قلت: في يومي وليلتي، قال: فقال لي: " ارقد وصل، وصل (1) وارقد، واقرأه في كل شهر "، قال: فما زلت أناقصه ويناقصني، إلى أن قال (2) : " اقرأه في كل سبع ليال " قال أبي (3) : " ولم أفهم، وسقطت علي كلمة "
قال: ثم قال: قلت: إني أصوم ولا أفطر؟ قال: فقال لي: " صم وأفطر، وصم ثلاثة أيام من كل شهر "، فما زلت أناقصه ويناقصني، حتى قال: " صم أحب الصيام إلى الله عز وجل، صيام داود، صم يوما وأفطر يوما " فقال عبد الله بن عمرو: " لأن (4) أكون قبلت رخصة رسول الله صلى الله عليه وسلم أحب إلي من أن يكون لي حمر النعم " (5) - حسبته شك عبيدة -
الإسْلامُ دِينُ الوَسَطيَّةِ والسَّماحةِ في كلِّ الأُمورِ، وقد أمَرَنا اللهُ ورسولُهُ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ بتَقْواهُ على قَدْرِ الاستِطاعةِ دونَ تَكلُّفٍ أو مَشقَّةٍ.
وفي هذا يقولُ عبدُ اللهِ بنُ عَمْرِو بنِ العاصِ رضِيَ اللهُ عنهما: قال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: "يا عبدَ اللهِ بنَ عَمْرٍو، في كم تَقرَأُ القُرآنَ؟" في كم مِن الأيامِ تَختِمُ القُرآنَ؟ فقال عبدُ اللهِ: "في يَوْمي ولَيْلَتي" أيْ: في يومٍ واحدٍ نَهارِه ولَيْلِه، فقال له النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: "ارقُدْ وصَلِّ، وصَلِّ وارقُدْ، واقْرَأْه في كلِّ شَهرٍ"، نصَحَه النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ بأنْ يَأخُذَ بالتيْسيرِ في قراءةِ القُرآنِ حتى يَختِمَه في شَهرٍ، فيُعطيَ فُسحةً لنَفْسِه في النوْمِ والراحةِ، قال عبدُ اللهِ: "فما زِلْتُ أُناقِصُه ويُناقِصُني"، يَطلُبُ منَ النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ التقْليلَ في أيامِ القِراءةِ، ورسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ يَزيدُ له فيها، "إلى أنْ قال: اقْرَأْه في كلِّ سَبْعِ ليالٍ"، لا تَختِمِ القُرآنَ في أقلَّ من سَبعةِ أيامٍ. ثم قال عبدُ اللهِ رضِيَ اللهُ عنه: "إنِّي أصومُ ولا أُفطِرُ؟" يَسرُدُ صومَ النهارِ دونَ أنْ يُفطِرَ يومًا، فقال له النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: "صُمْ وأفِطْر، وصُمْ ثلاثةَ أيامٍ من كلِّ شَهرٍ"، اكْتَفِ من كلِّ شَهرٍ بثلاثةِ أيامٍ فقطْ، وتُفطِرُ باقيَ الشهرِ، "فما زِلْتُ أُناقِصُه ويُناقِصُني"، يَستَزيدُ منَ النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ أيامَ الصيامِ، ويُقَلِّلُ منه النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ تلك الأيامَ، "حتى قال: صُمْ أَحَبَّ الصيامِ إلى اللهِ عزَّ وجلَّ، صيامَ داوُدَ"، أفضَلُ الصيامِ عندَ اللهِ عزَّ وجلَّ صيامُ نَبيِّ اللهِ داوُدَ عليه السلامُ، "صُمْ يومًا وأفْطِرْ يومًا"، وإنَّما صارَتْ هذه الطَّريقةُ أحَبَّ إلى اللهِ مِن أجْلِ الأخْذِ بالرِّفقِ على النُّفوسِ الَّتي يُخشَى منها السَّآمةُ والمَلَلُ الَّذي هو سببٌ إلى تركِ العِبادةِ، "فقال عبدُ اللهِ بنُ عَمْرٍو: لأَنْ أكونَ قَبِلْتُ رُخْصةَ رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ أحَبُّ إليَّ من أنْ يكونَ لي حُمْرَ النَّعَمِ"، ومَعْناه: أنَّه كَبِرَ وعَجَزَ عنِ المُحافَظةِ على ما التَزَمَه ووظَّفَه على نَفْسِه عندَ رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، فشَقَّ عليه فِعْلُه، ولا يُمكِنُه تَرْكُهُ؛ لأنَّ النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ قال له: "يا عبدَ اللهِ، لا تكُنْ بمَثَلِ فُلانٍ، كان يقومُ الليلَ فترَكَ قيامَ الليلِ" متَّفَقٌ عليه، وخصَّ الإبلَ الحُمْرَ بالذِّكرِ لكَوْنِها أفضَلَ الأمْوالِ عندَ العَرَبِ التي كان يَفرَحُ بها صاحبُها أشدَّ الفَرَحِ، وأكثَرَ من فَرَحِه بأيِّ أمرٍ آخَرَ.
وفي الحديثِ: إرشادٌ نَبويٌّ للتوسُّطِ والاقتِصادِ في العِبادةِ، وبَيانُ أنَّ سُنَّتَهُ هي عَدَمُ التَّشدُّدِ.
وفيه: يَنبَغي الدوامُ على ما صارَ عادةً منَ الخَيرِ ولا يُفَرَّطُ فيه.