مسند عبد الله بن عمر رضي الله عنهما 106
مسند احمد
قرئ على سفيان بن عيينة: الزهري، عن سالم، عن أبيه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «لا يأكل من لحم أضحيته فوق ثلاث»
لقدْ راعَى التَّشريعُ الإسلاميُّ واقِعَ المُجتمعِ وحاجاتِه، وبَنى مُجتمعًا مُسلِمًا مُترابِطًا كالجسَدِ الواحدِ، متى نَزَلَتْ بأحدِهم نازلةٌ، تَكاتَفَ الجميعُ لإزالتِها عنه، فكان التَّكافُلُ الاجتماعيُّ وسَدُّ حاجةِ الفُقراءِ والمُحتاجينَ في ثَوبٍ مِنَ الرَّحمةِ والتَّآلفِ؛ مِن الأُمورِ الَّتي عُنِيَ بها الإسلامُ عنايةً كبيرةً وحَثَّ عليها
وفي هذا الحديثِ نَهى رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ أَهلَ المدينةِ النَّبويَّةِ -ويَدخُلُ معهم مَن كانَ في مِثلِ حالِهم مِنَ المُسلمينَ- عن ادِّخارِ لُحومِ الأضاحيِّ فوْقَ ثَلاثةِ أَيَّامٍ، أي: إنَّ ما زادَ على ثَلاثةِ أيَّامٍ فإنَّه يُوزَّعُ ويُتصدَّقُ به على عُمومِ المسْلِمين، والأُضحيَّةُ هي ما يُذبَحُ مِن الأنعامِ؛ مِن الإبلِ أو البقرِ أو الغنَمِ، قُربةً للهِ في أيَّامِ عِيدِ الأَضحى. فلَمَّا شَكَوْا لِرسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ أنَّ لهم عِيالًا وحَشَمًا وخَدَمًا، وهذا كِنايةٌ عن حاجتِهم لادِّخارِ اللَّحمِ فوْقَ ما يَزيدُ عن الثَّلاثةِ أيَّامٍ، وحَشَمُ الرَّجلِ هم القَريبونَ مِنه الَّذين يَقومونَ على أُمورِه وخِدمتِه ويَغضَبون لَه، فلَمَّا شَكَوْا له ذلك أَذِنَ لهم بأنْ يَأكُلوا مِن أُضحيَّتِهم ويَتَصَدَّقوا ويُهْدوا، كَما أَذِنَ لهم في الادِّخارِ مِنها فَوقَ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ. وقدْ بيَّنَت رِوايةٌ في صَحيحِ مُسلمٍ سَببَ النَّهيِّ وسَببَ الرُّجوعِ عنه؛ فعن عائشةَ رَضيَ اللهُ عنها قالت: «دَفَّ أهلُ أبياتٍ مِن أهلِ الباديةِ حَضْرةَ الأضْحى زمَنَ رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، فقال رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: ادَّخِروا ثلاثًا، ثمَّ تَصدَّقوا بما بَقِي، فلمَّا كان بعْدَ ذلك، قالوا: يا رسولَ اللهِ، إنَّ النَّاسَ يَتخِذون الأسْقيةَ مِن ضَحاياهم، ويَجمُلون منها الوَدَكَ، فقال رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: وما ذاكَ؟ قالوا: نَهِيتَ أنْ تُؤكَلَ لُحومُ الضَّحايا بعْدَ ثَلاثٍ، فقال: إنَّما نَهَيْتُكم مِن أجْلِ الدَّافَّةِ الَّتي دَفَّت، فَكُلوا وادَّخِروا وتَصدَّقوا». والدَّافَّةُ هُم الجُماعةُ مِن النَّاسِ، وكان قدْ نزَلَ بالمدينةِ أناسٌ كَثيرٌ فُقراءُ مَساكينُ يَحتاجون إلى الطَّعامِ، فأمَرَ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ بعَدَمِ الادِّخارِ؛ لِيُخرِجَ لهم النَّاسُ ما عِندَهم مِن لُحومِ الأضاحيِّ، ثمَّ لمَّا زالَتْ هذه العِلَّةُ أمَرَهم بالأكْلِ والادِّخارِ مِن الأضاحيِّ ما شاؤوا، فنُسِخَ حُكمُ النَّهيِ وأُبِيحَ الادِّخارُ
وفي الحديثِ: الحثُّ على كِفايةِ الفقراءِ والمساكينِ مُؤنتَهم
وفيه: مُشاركةُ الفقراءِ والمساكينِ في لُحومِ الأُضحيَّةِ