مسند عمر بن الخطاب رضي الله عنه 139
حدثنا يحيى بن حماد، وعفان، قالا: حدثنا أبو عوانة، عن داود بن عبد الله الأودي، عن حميد بن عبد الرحمن الحميري
حدثنا ابن عباس، بالبصرة، قال: أنا أول من أتى عمر حين طعن، فقال: احفظ عني ثلاثا، فإني أخاف أن لا يدركني الناس: أما أنا فلم أقض في الكلالة قضاء، ولم أستخلف على الناس خليفة، وكل مملوك له عتيق. فقال له الناس: استخلف. فقال: أي ذلك أفعل فقد فعله من هو خير مني، إن أدع إلى الناس أمرهم، فقد تركه نبي الله عليه الصلاة والسلام، وإن أستخلف، فقد استخلف من هو خير مني: أبو بكر. فقلت له: أبشر بالجنة، صاحبت رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأطلت صحبته، ووليت أمر المؤمنين فقويت وأديت الأمانة. فقال: أما تبشيرك إياي بالجنة، فوالله لو أن لي - قال عفان: فلا والله الذي لا إله إلا هو، لو أن لي - الدنيا بما (1) فيها لافتديت به من هول ما أمامي قبل أن أعلم الخبر، وأما قولك في أمر المؤمنين، فوالله لوددت أن ذلك كفافا (2) ، لا لي ولا علي، وأما ما ذكرت من صحبة (3) نبي الله صلى الله عليه وسلم فذلك (4)
قَوْلُهُ: "أَيَّ ذَلِكَ" : أَيْ: أَيَّ; أَيْ: أَيَّ الْأَمْرَيْنِ مِنَ الِاسْتِخْلَافِ وَتَرْكِهِ، وَهُوَ بِالنَّصْبِ مَفْعُولُ أَفْعَلُ.
"وَوَلِيتَ" : - بِكَسْرِ لَامٍ - عَلَى بِنَاءِ الْفَاعِلِ مِنَ الْوِلَايَةِ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ عَلَى بِنَاءِ الْمَفْعُولِ مِنَ التَّوْلِيَةِ.
"فَقَوِيتَ" : - بِفَتْحٍ فَكَسْرٍ - .
"فَوَاللَّهِ" : يُرِيدُ أَنَّ أَمْرَهُ إِلَى اللَّهِ، وَهَذَا إِمَّا لِأَنَّهُ مَا بَلَغَهُ حَدِيثُ التَّبْشِيرِ، أَوْ لِأَنَّهُ خَافَ أَنْ يَكُونَ مُقَيَّدًا بِقَيْدٍ قَصَّرَ فِي رِعَايَتِهِ، أَوْ جَوَّزَ أَنْ يَكُونَ مَحْمَلُ الْحَدِيثِ: دُخُولَ الْجَنَّةِ عَاقِبَةَ الْأَمْرِ، وَبِالْجُمْلَةِ فَقَدْ كَانَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - فِي مَقَامِ الْخَوْفِ مِنْ جَلَالِ الْمَوْلَى.
"كَفَافًا" : - بِفَتْحِ الْكَافِ - أَنْ يَكُونَ كَفَافًا عَلَى أَنَّهُ خَبَرُ كَانَ الْمُقَدَّرُ، أَوْ نَجَوْتُ مِنْهُ كَفَافًا عَلَى أَنَّهُ حَالٌ، وَالْكَفَافُ: مَا لَا يَفْضُلُ عَنِ الشَّيْءِ، وَيَكُونُ بِقَدْرِ الْحَاجَةِ، فَهُوَ حَالٌ مِنْ ضَمِيرِ مِنْهُ; أَيْ: نَجَوْتُ مِنْهُ حَالَ كَوْنِهِ لَا يَفْضُلُ لَنَا وَلَا عَلَيْنَا، أَوْ مِنَ الْفَاعِلِ بِتَأْوِيلِ: مَكْفُوفًا عَنِّي شَرُّهُ، وَقِيلَ: أَيْ: لَا يَنَالُ مِنِّي،
وَلَا أَنَالُ مِنْهُ; أَيْ: يَكُفُّ عَنِّي، وَأَكُفُّ عَنْهُ، قَالَهُ هَضْمًا لِنَفْسِهِ، أَوْ رَأَى أَنَّ الْإِنْسَانَ لَا يَخْلُو عَنْ تَقْصِيرٍ مِنْهُ.
* "فَذَلِكَ" : أَيْ: فَذَلِكَ الَّذِي أَرْجُو بَرَكَتَهُ، أَوْ فَذَلِكَ صَحِيحٌ، أَوْ مِمَّا مَنَّ اللَّهُ بِهِ عَلَيَّ.